ما عادت الهزيمة يتيمة كما يقولون لقد صار لها اليوم ألفُ أبٍ وأب ، آباء حقيقيون وآخرون بالتبني.
ولا يختلف الامر كثيراً عند من يتبنى الهزيمة و عند آبائها الحقيقيين ذلك أن ملامحها تشبههم حد التطابق ومن شابه أباه فما ظلم .
كيف لمهزوم لم يخض حرباً ولم يدر أزمة ولم يواجه تحدياً في حياته أن يصف معنى النصر أو يحدد شكله ؟
إن النصر قبل أن يكون قدراً نعثر عليه هو اختيار نتعثر من أجله والهزيمة قبل أن تكون نتيجة نتوقعها هي سلوك نقع فيه .
وإذا كان النصر صبر ساعة فقد تجاوزت غزة بصبرها وصمودها عقارب الزمن .
إن توصيف ما حدث في غزة رغم فداحته على أنه هزيمة للمقاومة فيه تبخيس لحالة الصمود الأسطوري أمام اغبى واعتى القوى الاجرامية في العصر الحديث .
التسليم بالهزيمة بعد ساعة الصبر و صراخ العدو خيانة للحق في الحياة ، رفض لسنة التدافع ، انكار للذات وتفريط بالصبر وتحقير للتضحيات .
الانهزامية حالة مرضية تعكس حجم الخراب والدمار النفسي ، تنشأ استجابة لنداء داخلي معتل ، وشعور مزمن بعقدة النقص لدى صاحبها .
أما الانتصار فهو حالة من الكبرياء و الاباء والرفض والاستعصاء لكل محاولات القهر ووسائل الاذلال والتركيع في الحياة .
لا يحتاج خصمك إلى سلاح فتاك كي ينتصر عليك عندما تكون مدمراً من الداخل ، خائر القوى وحائر الحيلة وخال من القيمة .
ثمة خسائر فادحة و هزائم نكرى نتكبدها دون خوض معاركها أو اعلان حروبها و "اكثر هزائمنا خزياً هي تلك التي ننهزم فيها دون أن نرفع سلاحاً والتي تأتينا من داخلنا فننتكس ولا نبذل دفاعاً او مجاهدة لضربات العدو المتتالية " بحسب كريم الشاذلي .
لم يكن عبثاً اطلاق عملية السابع من أكتوبر في ساعة متأخرة من اليأس والضعف والعجز العربي لتشرق بعدها شمس الحرية والانعتاق ايذاناً بموعد الخلاص .
لقد جرف طوفان الأقصى معه كل مخاوفنا وأوهامنا السابقة ، أخذ معه كل هزائمنا وخيباتنا وغسل معه ترسبات الاستعمار ومخلفاته في تصوراتنا .
أعاد الطوفان صياغة الحياة و تعريف الواقع ورسم ملامح المستقبل وكتابة التاريخ وترسيم الجغرافيا .
وحتماً لن يقف عند حدود فلسطين بل سيعبر الطوفان في أوطاننا وستتوالى الانتصارات في المنطقة وتنتصر اليمن والعراق والسودان بعد سوريا وسيحار المهزومون في توصيف ما حدث وتشخيص ما جرى وكالعادة سيرون في ذلك انتكاستهم وهزيمتهم وخيباتهم .