منذ سيطرتها على العاصمة اليمنية صنعاء في سبتمبر 2014، لم تتعامل ميليشيا الحوثي مع الإعلام باعتباره سلطة رقابية مستقلة، بل حولته إلى أداة بيدها، توظفه في عمليات الاختراق والتجسس، وتستخدمه كغطاء لنشاطاتها الأمنية والاستخبارية. فقد دفعت الجماعة بعدد من الإعلاميين والناشطين الموالين لها إلى العمل ضمن أجهزتها الأمنية والاستخبارية، مستفيدة من خبراتهم في جمع المعلومات والتأثير على الرأي العام.
لم يكن دور الصحفيين الحوثيين محصورًا في الترويج الدعائي للجماعة، بل لعبوا أدوارًا استخبارية مهمة، حيث تم تعيين بعضهم في مواقع حساسة داخل الأجهزة الأمنية، ليكونوا جزءًا من عمليات الاختراق والتجسس. وقد استخدمت الجماعة هؤلاء الإعلاميين في عدة مهام، من بينها التسلل إلى وسائل الإعلام المحلية والدولية، ومحاولة التأثير على طريقة تناولها للأحداث بما يخدم سردية الجماعة، عبر تجنيد صحفيين وإعلاميين لتبني خطابها والترويج لأجندتها.
واستخدام العمل الإعلامي كغطاء للسفر إلى الخارج، حيث تم إرسال عناصر حوثية إلى لبنان وإيران ودول أخرى تحت ستار المشاركة في مؤتمرات وندوات، بينما كانت المهمة الحقيقية تلقي تدريبات عسكرية واستخباراتية. وأيضاً إعداد تقارير استخبارية عن الصحفيين والناشطين المستقلين، ورفعها إلى الأجهزة الأمنية التابعة للجماعة، مما أدى إلى ملاحقة واعتقال العديد من الإعلاميين المعارضين.
لم تكتفِ الجماعة باستخدام الإعلام كأداة اختراق، بل سعت إلى القضاء على أي صوت معارض، حيث قامت منذ وقت مبكر بفرض سيطرتها على المؤسسات الإعلامية، وإغلاق الصحف المستقلة، وحظر المواقع الإخبارية التي لا تتماشى مع أجندتها.
وقد شملت ممارسات القمع الإعلامي اعتقال وتصفية الصحفيين المعارضين، حيث يقبع العشرات منهم في السجون، بينما تعرض آخرون للاختطاف والتعذيب، وحتى الإعدام بتهم ملفقة مثل “التجسس لصالح جهات خارجية”. وممارسة الابتزاز والترهيب ضد الصحفيين وذويهم، من خلال احتجاز أفراد من عائلاتهم كرهائن لإجبارهم على الصمت أو التعاون مع الجماعة. وكذلك مراقبة شبكات التواصل الاجتماعي، والتجسس على الناشطين والصحفيين، واستخدام فرق إلكترونية متخصصة في ترويج الدعاية الحوثية وإسكات الأصوات المعارضة.
لم يتوقف دور الإعلاميين الحوثيين عند تنفيذ عمليات المراقبة والتجسس، بل لعبوا دورًا في تبرير الانتهاكات الأمنية عبر إنتاج تقارير وأخبار تخدم سردية الجماعة، حيث تعلن الميليشيا بشكل متكرر عن تفكيك “خلايا استخباراتية” أو “شبكات تجسس”، وهي غالبًا مجرد ذرائع لتصفية معارضيها وشرعنة الاعتقالات والاغتيالات. كما استخدمت الجماعة الصحافة لإعادة تشكيل وعي السكان في مناطق سيطرتها، من خلال بث رسائل تروج لما تسميه “مظلومية الحوثيين”، وإغراق الفضاء الإعلامي برؤيتها الخاصة، مما أدى إلى تضييق مساحة الإعلام الحر واحتكار الخطاب الإعلامي بالكامل.
إلى جانب السيطرة على الإعلام، سارعت ميليشيا الحوثي إلى وضع يدها على الأجهزة الأمنية والاستخباراتية، حيث قامت بإحلال عناصرها في المناصب الحساسة، واستولت على الأرشيف الأمني للدولة اليمنية، مما منحها قاعدة بيانات ضخمة استخدمتها في رصد وتتبع الصحفيين والناشطين، وابتزازهم بمعلومات شخصية وأمنية تم الاستحواذ عليها من أجهزة الدولة. وإدارة حملات قمع ممنهجة تحت ذريعة “مكافحة الجواسيس”، حيث تم تلفيق تهم للمعارضين والزج بهم في السجون، دون أي محاكمات عادلة. وفرض سيطرة فكرية مطلقة على وسائل الإعلام، ومنع أي رواية تخالف سردية الجماعة من الوصول إلى الجمهور.
ختاماً إن ما فعلته ميليشيا الحوثي بالإعلام اليمني ليس مجرد تقييد للحريات الصحفية، بل هو إعادة هندسة شاملة للمجال الإعلامي، بحيث يصبح أداة بيد الجماعة لتنفيذ أجندتها السياسية والأمنية. فمن خلال زرع إعلاميين في الأجهزة الاستخبارية، وتسخير وسائل الإعلام لتبرير القمع، وتحويل الصحافة إلى أداة دعائية، لم يعد الإعلام في مناطق سيطرة الحوثيين مجرد وسيلة لنقل الأخبار، بل صار جزءًا من آلة القمع التي تحكم بقبضة من حديد، وتقود حربًا إعلامية موازية للحرب العسكرية على الأرض. فقد استغل الحوثيون الإعلام كأداة مزدوجة، ليس فقط لنشر الدعاية، بل أيضًا كوسيلة للاختراق الأمني والتجسس على المجتمع، مما جعل الصحافة والإعلام في مناطق سيطرتهم أداة للقمع بدلاً من أن تكون وسيلة لنقل الحقيقة. ومع استمرار هذه الممارسات، بات الإعلام في اليمن أحد أهم جبهات الصراع، حيث تسعى الجماعة إلى احتكاره بالكامل، في محاولة لإسكات أي صوت يعارض مشروعها.