حين تتشظى الأوطان وتتعثر الدول في دهاليز الحروب والنزاعات ، تُفرز الشعوب قاماتها الكبرى، وتُفرز المراحل رجالها الحقيقيين.!
في اليمن، التي ابتليت بأعاصير الانقلاب والانقسام، برزت شخصيات حملت الوطن على أكتافها، وقاومت الانهيار بثبات الجبال ومن بين أولئك الكبار، يبرز اسم اللواء سلطان بن علي العرادة، كواحد من أندر رجال الدولة الذين اجتمع فيهم الحزم والحكمة، والشجاعة السياسية مع النبل الأخلاقي، والحنكة القبلية مع الرؤية الوطنية الشاملة.
لم يكن سلطان العرادة محافظ لإحدى أهم محافظات اليمن فقط ، بل كان قلب مأرب النابض، ودرعها الذي صمد في وجه الموج الحوثي الانقلابي العاتي.
كان يعرف بحكمة القائد ونباهة المجرّب، أن المعركة ليست فقط على الأرض، بل في الوعي، وفي الحفاظ على مؤسسات الدولة التي حاول خصوم اليمن أن يهدموها حجراً حجراً وفي وقتٍ تساقطت فيه كثير من المدن، وقُطعت أوصال البلاد، وقعت مأرب في اختبارها الأصعب، لكنها بقيت بفضل قيادته رمزاً للصمود، وملاذاً للمستضعفين، ومركزاً للشرعية وحضناً للهوية الوطنية الجامعة.
العرادة لم يكن حاكماً عادياً، بل رجل رؤية وبصيرة، يتحدث بلغة العقل والاتزان وسط صخب البنادق، ويفكر بمستقبل اليمن حتى وهو في خضم معارك الدفاع عنه. لم تغلب عليه الانفعالات العابرة، ولم يُغرِه بريق الزعامة الفارغة، بل كان همه الدائم أن يحمي الأرض والإنسان، وأن يصون كرامة اليمنيين في زمن أصبحت فيه الكرامة سلعة في سوق المساومات.
ومن يتتبع مسيرته يدرك أن سلطان العرادة ليس طارئاً على الشأن العام، بل هو سليل تجربة طويلة في العمل السياسي والقبلي ، رجل عرفته الساحات منذ عقود، متزناً في مواقفه، صلباً في مبادئه، ومخلصاً لوطنه بدرجة يصعب أن تُقارن. لم يكن انحيازه للشرعية مجرد موقف سياسي، بل كان إيماناً عميقاً بفكرة الدولة، ورفضاً جذرياً لفكرة المليشيا والتغلب بالقوة على إرادة الناس.
ولعل من أهم ما يُميز هذا الرجل هو تلك الهالة من الثقة التي يفرضها حضوره، دون استعراض ولا تصنع. قيادي يتحدث بعمق وهدوء، يزن الكلمات قبل أن ينطقها، ويُدرك أن الكلمة في زمن الاضطراب قد تكون أكثر فتكاً من الرصاص. وقد استطاع العرادة أن يكسب احترام مختلف الأطياف، ليس فقط داخل مأرب، بل في عموم اليمن، لأنه تجاوز منطق الانتماءات الضيقة، وتحرك بوعي الدولة لا بحدود القبيلة فقط، وإن كان ابن بيئتها ورافعاً لرايتها في أصعب الظروف.
إن ما صنعه في مأرب خلال سنوات الحرب يُعد ملحمة إدارية وأمنية وإنسانية، استطاع أن يحول المحافظة إلى نموذج مختلف، رغم ضغوط الحرب والهجمات المتكررة. ونجح في خلق بيئة شبه مستقرة تستوعب مئات الآلاف من النازحين، وتوفر الحد المقبول من الخدمات وتبني مؤسسات قادرة على الصمود في وجه العاصفة. لم يكن ذلك ضرباً من الحظ، بل ثمرة قيادة حقيقية تؤمن بالعمل قبل الشعارات، وتُقدّم الفعل قبل القول.
وعندما جاء تشكيل مجلس القيادة الرئاسي، كان وجود سلطان العرادة ضمن أعضائه إشارة بالغة الرمزية. إنها شهادة من الدولة ومن المجتمع السياسي اليمني بأن هذا الرجل يُمثل قيمة وطنية تتجاوز المواقع، ويستحق أن يكون جزءاً من معادلة الحكم في مرحلة انتقالية فارقة. لقد حمل معه إلى المجلس رصيدًا من المصداقية والثبات والانفتاح، وقدرة على ردم الهوة بين الفرقاء، بصفته جسراً بين الدولة والقبيلة، بين التاريخ والمستقبل.
سلطان العرادة ليس مجرد اسم في قائمة المسؤولين، بل هو حالة خاصة في زمن استثنائي، مدرسة في التوازن والاتزان، وصوتٌ عاقلٌ في زمن تعالت فيه الأصوات الفارغة. إنه من أولئك القادة الذين كلما اشتدت العواصف، ازدادوا ثباتاً، وكلما انطفأت الأبصار حولهم، ظلوا يرون الطريق ويقودون الآخرين نحوه.
وفي وطنٍ يحتاج إلى رجال كبار يعيدون بناء الوعي قبل البناء العمراني، ويحمون الكرامة قبل الحدود، فإن سلطان العرادة يظل واحداً من أهم أولئك الذين يمكن الرهان عليهم لا فقط في المعارك، بل في صناعة السلام أيضاً. لأنه لم يكن يوماً أسير اللحظة، بل ظلّ دائماً ناظراً نحو اليمن الذي يستحق أن يُولد من جديد، كما أراده أبناؤه الأحرار.