|    English   |    [email protected]

التحولات في القوة الناعمة الأمريكية بين قرارات ترامب والتكنولوجيا الجديدة

الثلاثاء 18 مارس 2025 |منذ يوم
توفيق الحميدي

توفيق الحميدي

أصدر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أمرًا تنفيذيًا بإغلاق عدد من الوكالات الإعلامية، كان في مقدمتها إذاعة صوت أمريكا، التي ظلت على مدى 80 عامًا إحدى أبرز أدوات الدعاية الرسمية الأمريكية، ما أثار تساؤلات واسعة حول طبيعة هذا القرار ودلالاته الاستراتيجية. فقد كانت هذه الوسائل الإعلامية جزءًا محوريًا من القوة الناعمة الأمريكية، خصوصًا خلال الحرب الباردة وما بعدها، حيث لعبت دورًا رئيسيًا في تشكيل الرأي العام العالمي ونشر القيم الأمريكية.

لكن هذا القرار يثير تساؤلين رئيسيين هل يمثل تراجعًا في النفوذ الأمريكي وتقليصًا لدور القوة الناعمة أم أنه يعكس تحولًا استراتيجيًا في أدوات التأثير بما يتناسب مع التطورات التكنولوجية الجديدة فمع انتشار وسائل الإعلام الرقمي وتطور تقنيات الذكاء الاصطناعي وهيمنة شركات التكنولوجيا الكبرى لم يعد التأثير الإعلامي مرهونًا بالمؤسسات الحكومية التقليدية مثل صوت أمريكا بل أصبح أكثر تعقيدًا وتغلغلًا في البنية التحتية الرقمية للعالم.

التحول من الإعلام التقليدي إلى الإعلام الرقمي

لم يعد النفوذ الأمريكي يعتمد على الدعاية المباشرة عبر القنوات الحكومية بل بات يعتمد على أدوات أكثر تطورًا مثل خوارزميات التواصل الاجتماعي حيث تسيطر الشركات الأمريكية الكبرى مثل ميتا (فيسبوك وإنستغرام) وجوجل وإكس (تويتر سابقًا) على تدفق المعلومات عالميًا مما يمنح واشنطن نفوذًا غير مباشر يفوق تأثير الوسائل التقليدية.

كما أن الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات الضخمة باتت أدوات رئيسية في تشكيل الرأي العام حيث أصبحت واشنطن قادرة على استهداف المستخدمين بدقة وفقًا لميولهم وسلوكهم الرقمي مما يجعل التأثير أكثر عمقًا وفاعلية مقارنة بالإذاعات التقليدية.

الإعلام الجديد وشبكات البث الذاتي أصبحت اليوم تلعب دورًا رئيسيًا في نشر القيم الأمريكية بطرق غير مباشرة فمنصات مثل نتفليكس ويوتيوب والبودكاست باتت أكثر تأثيرًا في خلق صور نمطية عن المجتمع الأمريكي ونشر قيم الديمقراطية والحرية والحداثة.

إيلون ماسك لاعب جديد في القوة الناعمة الأمريكية

إيلون ماسك باعتباره أحد أبرز رواد التكنولوجيا والإعلام الرقمي قد يكون عنصرًا رئيسيًا في إعادة تشكيل أدوات التأثير الأمريكية وذلك عبر ثلاث أدوات أساسية.

منصة “إكس” (تويتر سابقًا) باتت بعد استحواذ ماسك عليها ساحة أكثر انفتاحًا مما قد يخدم الروايات الأمريكية بطريقة أكثر مرونة مقارنة بالإعلام الحكومي كما أن تحكمه في الخوارزميات يسمح بتوجيه النقاشات العامة بما يتماشى مع المصالح الأمريكية.

الذكاء الاصطناعي أصبح أداة رئيسية في التلاعب بالمعلومات حيث يعمل ماسك على تطوير نماذج ذكاء اصطناعي مثل xAI التي يمكن أن تؤدي دورًا كبيرًا في التأثير الإعلامي وتشكيل الآراء على نطاق عالمي.

أما مشروع ستارلينك فقد أضاف بعدًا جديدًا للنفوذ الأمريكي فمن خلال توفير الإنترنت بشكل مستقل عن الحكومات تمكن ماسك من خلق أداة استراتيجية لاختراق المعلومات في الدول التي تفرض رقابة صارمة مما يعزز التأثير الأمريكي في مناطق يصعب الوصول إليها بالوسائل التقليدية.

السيناريوهات المستقبلية من إعلام الدولة إلى إعلام الشركات

بالنظر إلى التحولات الجارية من الواضح أن مستقبل القوة الناعمة الأمريكية لن يعتمد على وسائل مثل صوت أمريكا بل على أدوات جديدة أكثر تطورًا تشمل تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات الكبرى وهيمنة شركات التكنولوجيا الأمريكية على شبكات التواصل الاجتماعي والمحتوى الرقمي إضافة إلى التحكم في البنية التحتية الرقمية عالميًا من خلال مشاريع مثل ستارلينك وإنترنت الأشياء.

خاتمة:

إغلاق وسائل الإعلام التقليدية مثل صوت أمريكا لا يعكس تراجعًا في القوة الناعمة الأمريكية بل تحولًا في استراتيجياتها فالنفوذ الأمريكي أصبح أكثر ارتباطًا بالتكنولوجيا الحديثة حيث تلعب الشركات الخاصة دورًا رئيسيًا في تشكيل الرأي العام العالمي ومع دخول شخصيات مثل إيلون ماسك إلى ساحة النفوذ الإعلامي فإننا نشهد بداية عصر جديد من الهيمنة الأمريكية قائم على الذكاء الاصطناعي والمنصات الرقمية بدلًا من الدعاية التقليدية السؤال المطروح الآن هل ستظل الحكومات قادرة على التحكم في القوة الناعمة أم أن الشركات التكنولوجية ستصبح الفاعل الأساسي في المشهد العالمي.