العنوان هنا عبارة عن كتاب مهم للمفكر الكبير الراحل محمد عمارة (رحمه الله) بل يعتبر من أهم الكتب التي دونت في العلاقات الدولية في القرن العشرين المنصرم.
حيث مثلت المصطلحات معتركا كبيرا في فضاء العلاقات الدولية ك الديموقراطية، حقوق الإنسان، المصالح المتبادلة، توازن القوى، الحياد، الهجرة، التهجير.. الخ وغيرها كثير.
وبما أن أبرز معركة يخوضها العالم حاليا حول المصطلحات هي مصطلحي الهجرة والتهجير المتعلقة بأبناء الشعب الفلسطيني سواء ما يتعلق بغزة أو الضفة.
ولإلقاء الضوء على هذين المصطلحين لا بد من القول بداية أن الهجرة تعني:
انتقال الأفراد من مكان إلى آخر بغرض إقامة مؤقتة أو دائمة.
والهجرة ظاهرة إنسانية قديمة قِدَم البشرية نفسها حيث دأب الانسان على التنقل بحثًا عن حياة أفضل وهذا هو مفهوم (الهجرة)
أما انتقال الانسان تحت ضغط الظروف الصعبة والقاهرة فهذا هو مفهوم (التهجير) .
ومعروف أن للهجرة والتهجير مكانة هامة لدى المسلمين خاصة، إذ كانت أهم محطة في التاريخ الاسلامي كما هي كذلك بالنسبة لبقية الانسانية عموما نظرا لحضور الهجرة والتهجير في محطات التاريخ الانساني المختلفة.
و في العصر الحديث.. أصبحت الهجرة قضية عالمية معقدة يتداخل فيها مسائل الاقتصاد والسياسة وتتشابك فيها الأبعاد الاجتماعية والعرقية والحضارية حيث لم تعد تقتصر على الفرار من الاضطهاد بل أصبحت وسيلة لتحقيق الطموحات والسعي وراء فرص أفضل في مختلف المجالات.
والهجرة نوعان رئيسان هما:
(١) الهجرة الداخلية وتعني:
الانتقال من منطقة إلى أخرى داخل حدود الدولة نفسها وتحدث أحيانا في سياق البحث عن عمل وفرص عيش وتعليم وأحيانا أخرى نتيجة استبداد وظلم وتهديد وتضييق هوامش الأمن والحريات.
(٢) الهجرة الخارجية وتعني:
الانتقال من دولة إلى أخرى أولا نتيجة أسباب اقتصادية وتوفر فرص معيشية وتعليم أفضل وثانيا نتيجة أسباب قهرية كالاستبداد وقطع سبل العيش وانعدام الأمن والفرز العنصري المتعلق باللون والدين والرأي والانتماء.
وبناء على ذلك فالهجرة ليست مجرد انتقال جغرافي فقط بل تعبير عن السعي للحرية والعيش الكريم والأمن والبحث عن التعليم والكرامة الانسانية.
وأسباب الهجرة والتهجير في العصر الحديث متعددة أهمها:
-الحروب والصراعات المسلحة
-العنف الطائفي
-التمييز العنصري والعرقي
-انعدام الأمن ومقومات الحياة
-ضبابية المستقبل
-الفقر والبطالة والجهل
إهدار كرامة الانسان
-التسلط واللانظام
-الطموح لتحسين المستوى المعيشي
-البحث عن الحرية
-التغيرات المناخية والكوارث الطبيعية
-البحث عن الاستقرار والأمان
-الاستبداد والتخلف
-الاستعمار وأدواته
-هيمنة الدول الكبرى وسياساتها .
وبما أن الهجرة وسيلة للتخلص من الاضطهاد والظلم فإنها في الوقت نفسه تتيح فرصة الحفاظ على (النفس ، العرض ، المال ، العقل ، الدين) باعتبارها الكليات الخمس التي أُرسلت بشأنها الرسل وأُنزلت لحفظها الكتب.
ومن المعروف أن أولئك الرسل لم يكونوا دعاة تشبث بجغرافية معينة أو مرغبين في التمتع بطقس أو مناخ البتة ! بل كانت الأرض بمختلف جهاتها ميدان تنقل وهجرة وانتقال وبحث وتفكر وسير وتعلم وبلاغ وإبلاغ.
ومما يجدر ذكره هنا أن الهجرة والتهجير هما السبب الرئيس في بناء الحضارات عبر العصور المتتالية.
فكما كان ذلك بالنسبة لحضارات قديمة كالرومان والفراعنة والآشوريين والفينيقيين وغيرهم فإن الهجرة في العصر الحديث قد شيدت أعظم حضارات العصور قاطبة
كالأمريكيتين وكندا وأستراليا وغيرها !!
الجوانب الإيجابية للهجرة والتهجير:
١- حفظ النفس والمال والعرض والدين والعقل
٢-ترسيخ الوحدة الانسانية
٣-إعمار الأرض
٤-نقل المعارف
٥-التلاقح الفكري
٦-التمازج الثقافي
٧-التطور العلمي والتكنولوجي
٨-الثورة البحثية
٩-تحقيق الطموحات الشخصية
١٠-الحصول على فرص عمل وتعليم وحياة كريمة
١١-التخفيف على البشرية من المآسي الانسانية .
الأسباب التي تحول دون الهجرة:
- التمييز العنصري والتعصب العرقي
- انعدام الأمن
- إنتهاك حقوق الانسان
- شرائع الغاب
- فقدان الأمل بتحسن الأوضاع
- التكتيكات السياسية
- صراع الحضارات
- المصالح الفئوية
- تنافس مراكز النفوذ
- الانتهازية
- الشمولية
- الاستبداد
وبناء على ما سبق فإن معركة الهجرة والتهجير المتعلقة بالشعب الفلسطيني في غزة والضفة والدائرة حاليا على مختلف الصعد تأتي في إطار المعترك المتعلق بالمصطلحات والمقترن بالمصالح حيث تبني الأطراف مواقفها من ذلك وفق رؤيتها وتفسيرها للمصطلح والأهم من ذلك حضور المصالح والمفاسد لدى كل طرف.