هناك مغالطة منطقية شهيرة تُعرف باسم "مغالطة قنّاص تكساس" (Texas sharpshooter fallacy). وخلاصتها باختصار شديد: أن يُطلق أحدهم عشرات الطلقات على حائط، ثم يذهب بعد ذلك ليرسم دائرة حول أكثر الطلقات تقاربًا، ويقول: "انظروا، لقد أصبت الهدف بدقة!"
نفس هذه الحيلة تتكرر في واقعنا اليوم، لا سيما في أجواء الحروب والصراعات، حيث يخرج بعض من يُقدّمون أنفسهم كمحللين، ويُطلقون سيلًا من التوقعات في كل اتجاه:
فلان سيتم تصفيته، المنطقة الفلانية ستُجتاح، المعركة ستحسم في الأسبوع القادم... إلى آخر تلك النبوءات التي تُلقى دون ضوابط أو منهج.
ثم بعد فترة، يتوقفون عند واحدة من تلك التوقعات التي صادف وتحققت — ومن الطبيعي أن يتحقق شيء من هذه التوقعات في ظل أجواء حربٍ، حيث الناس تموت، والانتصارات والهزائم تحصل، وأيضًا بسبب كثرة هذه التوقعات.
ولكنهم يُعيدون ترويج تلك النبوءة باعتبارها دليلًا على "بُعد نظرهم"، ويتجاهلون بقية التوقعات التي سقطت في النسيان.
علينا نحن كمراقبين ألا نتجاهل تلك التوقعات الخاطئة ولا ننساها؛ فإذا نسيناها، أو لم ننبش عنها، سنؤمن بالقدرة العجيبة لهؤلاء على التنبؤ بالأحداث، وسنأخذ تنبؤاتهم بالحسبان، لنصبح ضحية لهواة التنبؤ.
لا فرق بين هواة التنبؤ وبين أولئك الذين يقرؤون الكفّ والفنجان، سوى أن هؤلاء يتحدثون بلغة التحليل، وأولئك يتحدثون بلغة الغيب.
لكن جوهر الحيلة واحد:
إغراق الناس بتوقعات كثيرة، وانتظار أن تُصيب واحدة بالصدفة.
التحليل الحقيقي لا يقوم على التنبؤات المرتجلة، بل على أدوات عقلية ومنهجية، تُبنى على معطيات واضحة، وتخضع للمراجعة والتصحيح، لا للتصفيق والتلميع.
التوقع الذي يقوم على معطيات واقعية، أو معلومات تكشف خيوطًا تؤدي عقلًا ومنطقًا إلى حصول ما تم توقعه — هذا هو التوقع الذي يُقام له حساب. أما ما دون ذلك، فما هو إلا حيلُ المنجّمين، ولكن بأساليب جديدة.