برّان برس - وحدة التقارير:
على وقع الغارات الجوّية التي تشنّها الولايات الأمريكية ضد جماعة الحوثي المصنفة عالميًا بقوائم الإرهاب، أطلقت الجماعة دفعة جديدة من عناصر ما يعرف بـ“تنظيم القاعدة”، المعتقلين في السجون الحكومية الخاضعة لسيطرتها.
من بين من أفرجت عنهم الجماعة أواخر الأسبوع الأول من أبريل/نيسان الجاري، قياديين بارزين في التنظيم الإرهابي هما: “أبو مصعب الرداعي”، و“أبو محسن العولقي”، وجميعهم مدانون بجرائم إرهابية خطيرة.
هذه الخطوة أثارت مجددًا الجدل بشأن علاقة الحوثيين بالقاعدة، خصوصًا وأنها تكررت مرارًا في المنعطفات الخطيرة التي تمر بها الجماعة، وتزامنت أيضا مع عودة ملحوظة لنشاط التنظيم في المحافظات الشرقية.
تعاون مشترك
مصادر صحفية، تحدثت عن حصول “القاعدة” على تقنيات عسكرية حديثة من الحوثيين، مشيرة إلى أنها تأتي تدشينًا لمرحلة جديدة من التعاون بين الطرفين في ظل الضغوط الدولية المتصاعدة واستمرار الهجمات الأمريكية.
وخلال هذا الشهر، قالت المصادر، إن الحوثيين زوّدوا القاعدة بطائرات مسيّرة حديثة هجومية واستطلاعية، إضافة إلى معدّات أخرى عسكرية “نوعية”، بينها صواريخ محمولة وأنواع مختلفة من المتفجرات.
وطبقًا للمصادر، فقد جرى تسليم هذه الأسلحة في مناطق خاضعة لسيطرة الحوثيين بين محافظتي أبين والبيضاء.
هدف مشترك
بالتزامن مع الغارات الجوّية ضد الحوثيين، شنّت الولايات المتحدة غارات على عناصر تنظيم القاعدة في اليمن، منذ مطلع أبريل/نيسان الجاري، حيث توسّعت لتشمل “شبكات تهريب سلاح” تنشط في المحافظات الشرقية.
وطبقًا لمصادر محلية فإن عناصر الشبكة المستهدفة تعمل على إمداد جماعة الحوثي وتنظيم القاعدة بالأسلحة، من خلال تهريبها عبر محافظة المهرة اليمنية المطلة على البحر العربي والحدودية مع سلطة عمان.
وكان “القاعدة”، قد أصدر بيانًا استنكر فيه الحملة الجوّية الأمريكية ضد الحوثيين، وقال إنها تستهدف اليمن.
علاقة ممتدة
تعليقًا على إطلاق جماعة الحوثي لعناصر “القاعدة، اعتبر وزير الإعلام في الحكومة اليمنية المعترف بها، معمر الإرياني، هذه الخطوة “دليلًا إضافيًا على حالة التخادم والتنسيق الميداني المستمر بين الحوثيين والتنظيمات الإرهابية، برعاية إيرانية مباشرة”.
وقال الإرياني، في تصريح نقلته وكالة الأنباء اليمنية سبأ (رسمية)، إن هذه الخطوة تأتي “في إطار مشروع يستهدف تقويض الدولة اليمنية، وتعزيز العنف والتطرف، وتوسيع رقعة الأنشطة الإرهابية في المنطقة”.
وأضاف الوزير اليمني، أنها “امتداد للتعاون بين الحوثيين وتنظيمي "القاعدة، داعش"، منذ انقلابهم على الدولة”، متهمًا جماعة الحوثي بـ“الإفراج عن المئات من عناصر وقيادات التنظيمين من سجني الأمن السياسي والقومي بصنعاء”.
فرص مواتية
عن التعاون وعودة نشاط “القاعدة” في هذه الفترة، يرى الباحث اليمني في الشؤون العسكرية والاستراتيجية الدكتور علي الذهب، أنه “مرتبط بالتدابير العنيفة تجاه التنظيم من قبل الحكومة اليمنية المعترف بها، ومن المجلس الانتقالي، والتشكيلات العسكرية الأخرى، ومن الأمريكيين في الوقت نفسه”.
كما يرتبط، وفق الباحث الذهب، الذي تحدّث لـ“بران برس”، بـ“تركيبة تنظيم القاعدة الذي يظهر مع أي منعطف سياسي”، لافتًا إلى ظهوره منذ بداية الأزمة اليمنية حتى اليوم. وقال إن “القاعدة نشط إبان ثورة 2011، وزاد من وتيرة نشاطه مع تقدم الحوثيين نحو محافظتي عمران وصنعاء، ثم مع بداية دخول التحالف العربي وانخراطه في الأزمة، حيث احتل التنظيم المكلا والمدن الساحلية في حضرموت”.
وخلال 2024، قال إن “القاعدة أعاد بناء نفسه من جديد، في تعزيز القدرات والتخلص من الذين يسميهم بالجواسيس، والذين يتهمهم بالعمل لصالح الإمارات أو الحكومة أو الأمريكان سواء من داخل التنظيم أو من خارجه”، وجاء بقيادة جديدة للتنظيم، ممثلة بسعد العولقي، بدلاً عن خالد باطرفي”، الذي قال إنه “توفي بطريقة غامضة”.
ولا يستبعد الباحث الذهب، أن يبحث “القاعدة” عن موطئ قدم في أي تسوية قادمة، وهو الأمر الذي لن يقبل به أي طرف؛ لأن هذه الأطراف لا تؤمن بالمشاركة السياسية للقاعدة ولجماعة أنصار الشريعة”. مضيفًا أن “التنظيم يريد أن يكون له حضور بشكل أو بآخر.
وبالإضافة إلى ما سبق، يرى الذهب، أن “عودة نشاط التنظيم، يأتي في إطار الترتيبات التي تشير إلى وقوع حسم عسكري تجاه الحوثيين عبر عملية برية ينخرط فيها تحالف خارجي جديد، أو حتى عودة سيناريو الحرب”.
عدو مشترك
ومن السيناريوهات التي أشار إليها الباحث الذهب، أن “الحوثيين بدأوا بإعادة إنتاج نشاط القاعدة من جديد؛ لأن هناك تفاهمات مع التنظيم، ومدلول هذه التفاهمات أن هناك عدواً مشتركاً تمثله الولايات المتحدة، ومن يتعاون معها من الأطراف الحكومية”.
ويعتقد أن الحوثيين والقاعدة “قد حيدا جانباً خلافاتهما الأيديولوجية واتفقا على مصير مشترك أو مواجهة مشتركة مع الأمريكان؛ لأن ما يجري الآن من حديث أنه بعد العمليات الجوية الأمريكية ضد الحوثيين سيكون هناك تدخل بري، وأن أمريكا ستكون منخرطة في هذا التدخل، وبالتالي اجتمعت عداوتها لدى الحوثيين والقاعدة”.
وقال إن “التفاهمات بين التنظيمين برزت بوضوح، وما زالت تتجلى أكثر وأكثر كون المسألة صراع "جيوسياسي" على مستوى قوى الداخل أو قوى الخارج، لذلك تبعث فيه القاعدة من وقت إلى آخر لتحقيق مكاسب معينة”.
أداة مطاطية
من جهته، قال الباحث اليمني، توفيق السامعي، إن “القاعدة تنظيم مطاطي وتستخدمه كثير من أجهزة المخابرات الدولية والإقليمية في أجندتها الخاصة“، مستدلاً بأن هذا التنظيم لا يظهر إلا عند كل منعطف أو حدث يمر في المنطقة العربية عموماً واليمن خصوصاً”.
وأضاف الباحث السامعي، لـ“برّان برس”، أن “الرئيس الأسبق صالح كان يتلاعب بهذا التنظيم وينسق معه في أحايين كثيرة”. وفي كل مرّة قال إن التنظيم كان يظهر “متكاملاً مع توجهات وأهداف صالح في المنعطفات اليمنية الخاصة”.
ووفق السامعي، فإن الحوثيين ورثوا هذا التنظيم، وظهر التحالف بينهما في أكثر من منعطف، موضحاً أنه سبق للجيش اليمني أن أسر عناصر قاعدة كانوا يقاتلون مع الحوثيين في جبهتي مأرب والبيضاء. كما أن القاعدة استقل بمديرية الصومعة في البيضاء وهي خاضعة بالكامل للسيطرة الحوثية دون أية مواجهات بين الطرفين.
ورقة التنظيم
وفي أهم المنعطفات التي كانت تمر بها جماعة الحوثي، وخاصة مع بدء الضربات الأمريكية ضدّها منذ عامين، قال الباحث السامعي، إن الجماعة الحوثية كانت تطلق عناصر من التنظيم مقابل الدعم للجانبين، وآخرها إطلاق شخصيتين بارزتين قبل يومين ضمن مجموعة من عناصر التنظيم.
وطبقًا للسامعي، فإن هذه “الدفعة الرابعة التي تطلقها جماعة الحوثي من معتقلي تنظيم القاعدة في سجون الدولة التي سيطرة عليها، والذين كانوا معتقلين فيها منذ عهد الرئيس الأسبق صالح وبعده حكومة الوفاق الوطني”.
وبيّن أن إطلاق الجماعة لهؤلاء “ليس لبراءتهم، ولكن يجمع بينهما التنسيق ضد الولايات المتحدة في هذا التوقيت بالذات الذي يتعرض فيه الحوثيون لقصف أمريكي مكثف”، مضيفًا أن الحوثيين يخشون من زحف بري للجيش اليمني بضوء أخضر دولي ودعم أمريكي، وربما يستبقون هذا بالتنسيق مع القاعدة لخوض حرب برية محتملة”.
وأضاف أن الجماعة تستخدم التنظيم “كورقة من أوراقها التي تشهرها في وجه الولايات المتحدة، وربما بالتنسيق مع إيران؛ كون قيادة التنظيم الأم للقاعدة يتخذ من إيران مقراً ومنطلقاً له”، متحدثًا عن “أذرع مختلفة” للقاعدة، ومنها “أذرع متفقة مع الحوثي وبعض أجهزة المخابرات الدولية والإقليمية”.
تخادم متواصل
وفي أكتوبر 2024م، كشف فريق خبراء مجلس الأمن الدولي المعني باليمن عن "تعاون متزايد" بين جماعة الحوثي والجماعات الإرهابية مثل تنظيم القاعدة في جزيرة العرب وحركة الشباب الصومالية، معتبرًا ذلك "أمرًا مثيرًا للقلق".
وكشف التقرير عن تحالف بين جماعة الحوثي والتنظيمات الإرهابية ضد الحكومة اليمنية، قائلًا: "اتفق الحوثيون والجماعات الإرهابية على وقف النزاع الداخلي، وعلى نقل الأسلحة والتنسيق بشأن الهجمات ضد قوات الحكومة اليمنية".
وفي مايو/آيار 2024م، أفاد تقرير نشرته صحيفة “التلغراف” البريطانية، بتعاون جماعة الحوثي المصنفة عالمياً في قوائم الإرهاب، مع ما يعرف بـ“تنظيم القاعدة”، وتزويدهم بالطائرات المسيّرة، بهدف استعادة السيطرة على المحافظات الجنوبية، معتبرًا ذلك “تهديد جديد لليمن”.
وقال التقرير الذي ترجمه للعربية موقع “برّان برس”، حينها إن من وصفهم بـ“المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران”، في اليمن “يقدمون الأسلحة لتنظيم القاعدة، ويقومون بصفقات تبادل للأسرى معهم”.
وأضاف: “يعمل الحوثيون مع الفرع المحلي لتنظيم القاعدة في شراكة تهدد بالمزيد من زعزعة استقرار البلد الفقير الذي مزقته الصراعات”.
واتهم التقرير الحوثيين بـ“مساعدة تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية من خلال إعطائهم طائرات بدون طيار وإطلاق سراح شخصيات قيادية في التنظيم من سجونهم”.
وكانت الولايات المتحدة الأمريكية تعتبر ما يعرف بـ“تنظيم القاعدة” في شبه الجزيرة العربية من بين أخطر فروع الشبكة الجهادية العالمية، بعد أن نفذت هجمات مميتة في الولايات المتحدة وفرنسا واليمن والمملكة العربية السعودية.