برّان برس - وحدة التقارير:
أنهت الولايات المتحدة الأمريكية أسبوعها الرابع من الغارات المتواصلة ضد مواقع ومخابئ وتحصينات جماعة الحوثي المصنفة دوليًا في قوائم الإرهاب، بسلسلة غارات استهدفت منشأة وميناء رأس عيسى بمحافظة الحديدة هي الأقسى منذ بدء الحملة.
الغارات التي أخرجت الجماعة المدعومة إيرانيا عن صمتها، وأظهرت وجعها من الحملة الأمريكية “الشرسة” التي طالما حاولت آلة الجماعة الإعلامية من التقليل من فاعليتها وآثارها، أسفرت عن مقتل 74 شخصا وجرح 171 آخرين، وفقا لوزارة الصحة التابعة للحوثيين (غير معترف بها) وهي أعلى حصيلة للضحايا في يوم واحد منذ بدء الحملة.
وبحسب ما أفاد به إعلام الجماعة الحوثية، استهدفت الضربات الأميركية ليل الخميس - الجمعة - ميناء رأس عيسى النفطي في مديرية الصليف شمال الحديدة، بـ14 غارة، وهو ميناء يحتوي على خزانات ضخمة، وبات الوحيد الذي يستقبل شحنات الوقود منذ تدمير إسرائيل خزانات ميناء الحديدة في يوليو/تموز، وسبتمبر/أيلول الماضيين.
وجاءت الغارات بعد ساعات قليلة فقط من خروج زعيم الجماعة، عبدالملك الحوثي، في كلمة متلفزة، حرص فيها على التهوين من تضرر قدرات جماعته العسكرية، من الغارات الأمريكية التي دخلت اسبوعها الخامس، في مسعى لرفع معنويات أتباعه، على الرغم من اعترافه بتلقي 900 غارة جوية وضربة بحرية.
وقال “الحوثي” إن القوات الأميركية نفَّذت خلال هذا الأسبوع فقط 220 غارة ضد مواقع الجماعة. ووصف الضربات بـ“الفاشلة” لعدم تمكنها من وقف الهجمات على إسرائيل، أو إتاحة ملاحة سفنها في البحر الأحمر.
وما إن مرت سوى ساعات قليلة عن خطاب “المكابرة” لزعيم الحوثيين، حتى نفذت القوات الأمريكية غاراتها العنيفة التي أخرجت ميناء رأس عيسى، الذي يعد المصدر الوحيد لامدادات الجماعة بالوقود، عن الخدمة، واستهدفت أيضا غرفة عمليات في مكيراس بالبيضاء ومخازن أسلحة في معسكر الصمع بمديرية أرحب، في الضاحية الشمالية لصنعاء.
وعقب الغارات القاسية، خرج الجيش الأميركي، ولأول مرة، ببيان تفصيلي عن طبيعة الأهداف التي يضربها في مناطق سيطرة الحوثيين، وأعلن تدمير ميناء الوقود في رأس عيسى، مبرراً ذلك بتجفيف الموارد المالية للجماعة المدعومة من إيران.
وقال البيان الصادر عن القيادة المركزية الأميركية، اطلع عليه “برّان برس”، إن الحوثيين استمروا في الاستفادة اقتصادياً وعسكرياً من الدول والشركات التي تُقدِّم دعماً مادياً لمنظمة إرهابية أجنبية.
وأضاف أن الجماعة المدعومة من إيران تستخدم الوقود لدعم عملياتها العسكرية، بوصفه سلاح سيطرة، وللاستفادة اقتصادياً من اختلاس أرباح الاستيراد. وشدَّد البيان على أنه “يجب أن يُزوّد هذا الوقود للشعب اليمني بشكل قانوني”.
وعلى الرغم من تصنيف الحوثيين “منظمةً إرهابيةً أجنبيةً”، أوضح البيان أن السفن استمرَّت في توريد الوقود عبر ميناء رأس عيسى. وقال إن أرباح هذه المبيعات غير القانونية تذهب بشكل غير مباشر لجهود الحوثيين الإرهابية.
وتابع البيان بالقول: “اليوم، اتخذت القوات الأميركية إجراءات للقضاء على هذا المصدر للوقود للإرهابيين الحوثيين المدعومين من إيران، وحرمانهم من الإيرادات غير المشروعة التي موَّلت جهودهم لإرهاب المنطقة بأسرها لأكثر من 10 سنوات”.
ومن المتوقع أن تؤدي الضربات الأميركية على ميناء رأس عيسى، ومنع شحنات الوقود من الوصول إلى مواني سيطرة الجماعة إلى إحداث أزمة في مناطق سيطرتها.
ورغم مسارعة الجماعة إلى طمأنة السكان بأن لديها مخزوناً كافياً، إلا أن مؤسسة موانئ البحر الأحمر التابعة للجماعة قالت إن القصف الأمريكي سينعكس سلبا على الإمدادات النفطية ويضاعف من معاناة الشعب اليمني المتفاقمة جراء الحصار المستمر منذ 10 سنوات.
وبحسب بيانات يمنية، يمتلك ميناء رأس عيسى ممرَّين ملاحيَّين لدخول السفن، ويستوعب أكثر من 50 ناقلة، ويضم 34 خزاناً، ما يجعله من أكبر المواني اليمنية القادرة على تلقي شحنات الوقود. وسبق أن استهدفته إسرائيل في سبتمبر الماضي، لكن لم تؤدِّ الغارات إلى تدمير الخزانات كافة.
مؤسسة موانئ البحر الأحمر، أكدت في بيان لها، أن القصف الأمريكي تسبب في أضرار كبيرة بميناء رأس عيسى النفطي وأدى إلى تعطيل نشاطه الحيوي، معتبرة استهدافه انتهاك صارخ للقوانين والمواثيق الدولية “كونه من الأعمدة الرئيسية لتأمين الوقود”.
وسبق أن تعهدت الولايات المتحدة باستخدام "جميع الأدوات المتاحة" لتعطيل أنشطة الحوثيين وإضعاف قدراتهم، في حين تشن غارات متواصلة على مواقع ومقرات تابعة للحوثيين في عدد من المحافظات الخاضعة لسيطرتهم، منذ 15 مارس الماضي، وُصفت غالبيتها بـ"العنيفة".
وبعد شهر من تهوين قيادات الجماعة وآلتها الإعلامية من آثار الضربات الأمريكية التي يعتبرها مراقبون “دقيقة وموجعة” للجماعة، تغيرت لهجتهم عقب غارات رأس عيسى، حيث انهالت البيانات من مكونات ومؤسسات الجماعة التي تحدثت ولأول مرة عن “توحش أمريكي”، وهو ما يظهر حجم الضرر الذي لحق بالجماعة جراء الحملة الأمريكية.
ومع نشر وسائل إعلام الجماعة لعدد من البيانات المنددة بالغارات التي استهدفت ميناء رأس عيسى، في محاولة لاستغلال سقوط ضحايا مدنيين على إثرها، قال المكتب السياسي للجماعة إن “التوحش الأمريكي” لا يوازيه سوى التوحش الإسرائيلي في قطاع غزة والكي قال إنه “متناهي في القبح والوقاحة”.
ويأتي استهداف رأس عيسى بعد نحو اسبوع من تحذير الولايات المتحدة الأمريكية للدول والشركات والكيانات التجارية من التعامل مع الموانئ الخاضعة لسيطرة جماعة الحوثي، المصنفة دوليًا في قوائم الإرهاب في اليمن، أو تقديم أي نوع من الدعم لها، باعتبار ذلك انتهاكًا للقانون الأمريكي.
وفي 5 مارس/آذار 2025، أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية تصنيف الحوثيين "منظمة إرهابية أجنبية"، محققة بذلك ما وصفته المتحدثة باسم الخارجية، تامي بروس، بأنه "أحد الوعود الأولى للرئيس (دونالد) ترامب عند توليه منصبه (في يناير/كانون الثاني 2025)".
وأشارت بروس إلى الأمر التنفيذي رقم 14175، الذي صرّح فيه ترامب بأن "أنشطة الحوثيين تهدد أمن المدنيين والموظفين الأمريكيين في الشرق الأوسط، وسلامة أقرب شركائنا الإقليميين، واستقرار التجارة البحرية العالمية".
ومنذ بدء الحملة الأميركية التي أمر بها ترمب، تلقى الحوثيون أكثر من 500 ضربة جوية وبحرية، تركزت بدرجة أساسية على المخابئ المحصنة، خصوصاً في صعدة وصنعاء وعمران والحديدة، وكذا على قدرات الجماعة عند خطوط التماس، لا سيما في مأرب والجوف.
وطالت الضربات -بدرجة أقل- مواقع وتحصينات ومستودعات وقدرات عسكرية متنوعة في محافظات حجة والبيضاء وذمار وإب، وسط تكتم من الجماعة المدعومة من إيران على حجم خسائرها، مكتفية بذكر أرقام لضحايا تزعم أنهم من المدنيين.
وحسب قطاع الصحة الخاضع للحوثيين، فقد بلغ عدد ضحايا الضربات منذ منتصف مارس/آذار الماضي، حتى الآن نحو 170 شخصاً، إضافة إلى أكثر من 300 مصاب، ليُضافوا إلى 250 قتيلاً و714 مصاباً خلال الضربات التي استهدفت الجماعة في عهد الرئيس جو بايدن، مع تكتم الجماعة على خسائرها العسكرية على مستوى العتاد والعناصر.
وفي وقت سابق، قال مدير العمليات في هيئة الأركان الأمريكية المشتركة، ألكسيس غرينكويتش، إن "العشرات من عناصر الحوثيين، بينهم قيادات، سقطوا جراء الضربات"، التي أكد استمرارها "حتى تحقيق أهدافهم"، فيما أكدت السفارة الأمريكية لدى اليمن، أن الحملة تستهدف جماعة الحوثي وقدراتها العسكرية، وليس المدنيين.
في المقابل، أدانت الحكومة اليمنية المعترف بها، في تصريحات سابقة على لسان وزير الإعلام معمر الإرياني، بأشد العبارات لجوء الحوثيين إلى استخدام المنشآت العامة، والبنية التحتية الصناعية، والممتلكات الخاصة، مخازن للأسلحة والذخائر.
وقال الوزير إن هذه الممارسات تُمثل تهديداً مباشراً لحياة المدنيين الأبرياء، وتُشكل جريمة حرب مكتملة الأركان، وانتهاكاً صارخاً لكل القوانين والأعراف الإنسانية والدولية، بما فيها القانون الدولي الإنساني.
واتهم الوزير اليمني الحوثيين بالاستخفاف بحياة المدنيين، من خلال اتخاذهم دروعاً بشرية، وتخزين السلاح، وحشد مقاتليهم في المدن والقرى والأحياء السكنية، دون أي اعتبار لما قد يترتب على ذلك من كوارث إنسانية، وأضرار جسيمة وفق تعبيره.