برّان برس - وحدة التقارير:
منذ ظهورها في جبال صعدة (أقصى شمال اليمن)، وخوضها ست جولات حرب ضد الحكومة اليمنية بين عامي 2004 و2010، رفعت جماعة الحوثي شعار النظام الإيراني الشهير المنادي بالموت لأمريكا وإسرائيل.
بالغت الجماعة الحوثية المصنفة عالميًا بقوائم الإرهاب في تبنّي هذا الشعار، وإلزام السكّان في المناطق الخاضعة لسيطرتها بترديده، وبلغ بها الأمر أن فرضته على طلبة المدارس في طابور الصباح بدلًا عن النشيد الوطني، ليصبح أهم عناصر هويّتها وعقيدتها المعلنة بخلاف الفصائل المسلّحة الموالية لإيران في المنطقة.
الشعار وعلاقة الحوثيين بأمريكا ظل مثار جدل بين اليمنيين طوال العقدين الماضيين، خصوصًا وأن حروبهم المسلّحة وضحاياها وتداعياتها الكارثية على الأرض والإنسان اليمني تركّزت أساسًا داخل حدود اليمن.
مؤخرًا، تصاعد الجدل بشأن هذه العلاقة مع انخراط الجماعة في عمليات استهداف الملاحة الدولية في البحر الأحمر وخليج عدن، وإطلاقها صواريخ وطائرات مسيّرة باتجاه الأراضي الفلسطينية المحتلّة بزعم مناصرة غزّة ضد العدوان الإسرائيلي، وما أعقبه من حملة قصف أمريكية مدمّرة داخل اليمن بزعم استهداف قدرات الحوثيين.
علاقة معقّدة
الباحث سيف المثنى، المدير التنفيذي لمركز واشنطن، وصف العلاقة بين الولايات المتحدة وجماعة الحوثي في اليمن بأنها “واحدة من أكثر العلاقات تعقيدًا في سياق الصراعات الإقليمية بالشرق الأوسط”.
وقال المثنّى، في حديثه لـ“بران برس”، إنه “منذ حرب صعدة وحتى اليوم، تطورت علاقة واشنطن بالحوثيين من تجاهل إلى تعاون نسبي إلى المواجهة المباشرة مدفوعة بتغيرات في السياق اليمني والإقليمي”.
فمنذ اندلاع حرب صعدة الأولى عام 2004، قال إن هذه العلاقة تطورت من حالة عدم الاكتراث النسبي من قبل واشنطن إلى مواجهات مباشرة وتصعيد عسكري وسياسي متأثرة بعوامل داخلية يمنية وإقليمية ودولية.
تجاهل
خلال حروب صعدة الست (2004-2010)، قال المثنّى، إن الولايات المتحدة لم تكن طرفًا مباشرًا في الصراع، حيث ركزت في تلك الفترة على مكافحة تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، الذي كان ينشط في اليمن، خاصة بعد حادثة المدمرة كول.
ورغم الشعارات المعادية لأمريكا التي رفعها الحوثيون، والدعم الإيراني المبكر للجماعة والذي كان حينها ما زال “محدودًا”، إلا أن إدارة جورج بوش الإبن (2001-2009)، وفق الباحث، “لم تكن تنظر إليهم كتهديد مباشر للمصالح الأمريكية”.
في تلك الفترة، قال إن واشنطن كانت تبحث عن آليات بديلة لمحاربة القاعدة في اليمن بعيدًا عن الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح، والذي استغل التنظيم الإرهابي للابتزاز والاستغلال السياسي. فيما كان الدعم العسكري والاستخباراتي الأمريكي للحكومة اليمنية موجهًا ضد الجماعات السنية المتطرفة وليس الحوثيين.
انفتاح
مع اندلاع الثورة الشعبية عام 2011، ضد نظام صالح، قال المثنى، إن اليمن دخل مرحلة “فوضى سياسية وأمنية”، ورغم مشاركة الحوثيين في الثورة ضد صالح، الذي تحالف معهم لاحقًا لإسقاط حكومة الوفاق، إلا أنهم رفضوا المبادرة الخليجية التي نقلت بموجبها السلطة إلى نائبه عبدربه منصور هادي.
أواخر العام 2014، اجتاح الحوثيون العاصمة اليمنية صنعاء، واستولوا على مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية واستخدموها للتمدد نحو بقيّة المحافظات.
وفي ظل هذه التطورات، واصلت الإدارة الأمريكية بقيادة باراك أوباما (2009- 2017)، إعلان دعمها لحكومة هادي، “لكنها لم تتخذ إجراءات مباشرة ضد الحوثيين، بل طوّرت علاقة استخباراتية معهم”. وبالتزامن كثّفت عملياتها ضد القاعدة، بما فيها تكثيف الغارات الجوّية بالطائرات المسيّرة ضد مناطق نفوذ التنظيم.
إسناد
وتحت هوس محاربة القاعدة، قال الباحث سيف، إن إدارة أوباما، ذهبت لعقد اتفاق مع الحوثين بتمكينهم من حكم اليمن، مقابل قيامهم بضرب “القاعدة” بمساعدة جوية من “الدرونز” الأمريكي، وبدعم مالي ولوجستي.
ولفت إلى تصريح مساعد وزير الدفاع الأميركي لشؤون الاستخبارات، حينها، مايكل فيكرز، الذي زعم أن جماعة الحوثي معادية للقاعدة، وقد “ساعدتنا على مواصلة تنفيذ بعض عملياتنا الخاصة بمكافحة إرهاب ذلك التنظيم”. لافتًا إلى حديث أوباما، بعدها بأشهر في خطابه بحفل تخريج إحدى الأكاديميات العسكرية المعروفة باسم “ويست بوينت”، قال فيه: “إننا تحالفنا مع الحوثيين للقضاء على الإرهاب الذي يهدد أمننا القومي في اليمن”.
في المقابل، احتفت الجماعة الحوثية بالدعم والإسناد الأمريكي، ووصف بعض قادتها ومنهم عبدالكريم الخيواني، دعم الطيران الأمريكي لجماعته في حربها ضد القبائل والقاعدة في البيضاء، بأنه “مساعدة الإلهية لأولياء الله”.
ويأتي هذا الدعم والإسناد الأمريكي رغم العلاقة المتزايدة بين الحوثيين والنظام الإيراني الذي احتفى بسيطرته على العاصمة العربية الرابعة، وشرع بتدشين جسر جوّي وبحري لتزويد الجماعة بالتقنيات والأسلحة والخبراء.
مفاجئة
ليلة 26 مارس/آذار 2015، أعلنت السعودة عملية “عاصفة الحزم” استجابة لنداء الرئيس هادي، الذي استنجدها ضد جماعة الحوثي بعد وصولها مدينة عدن جنوب البلاد، واستخدامها الطيران الحربي لاستهدافه بمقر إقامته.
بعد الضربة المفاجئة لأنظمة الدفاع الجوّي والقدرات العسكرية التي استولى عليها الحوثيون في صنعاء وغيرها من المحافظات، قال الباحث المثنّى، إن الموقف الأمريكي حينها بدا “غامضًا”.
وحينها، قال إن وزير الخارجية الأمريكي، جون كيري، ظهر “على استحياء مثنيًا على العمليات العسكرية السعودية في اليمن. فيما بدا قائد القيادة المركزية الأمريكية، حينها، لويد أوستن، غاضباً من هذا التدخل الذي “أضر بالعلاقة والاتفاق السري بين الجانبين لما سمّي محاربة القاعدة في ذلك الوقت”.
ووفق المثنى، فقد مثّلت “عاصفة الحزم، نقطة تحول في علاقة واشنطن بجماعة الحوثي، لتستغل الأخيرة هذا الموقف لتعزيز خطابها المعادي لأمريكا واتهامها بالتواطؤ في الحرب على اليمن.
محاربة الإرهاب
لم تختلف كثيرًا إدارة ترامب (2017-2021)، عن سياسات “إدارة أوباما”، ففي اليوم الخامس من وصوله البيت الأبيض 25 يناير 2017، أطلق أوّل غارة في اليمن، معلناً أجزاء من البلاد “مناطق أعمال عدائية نشطة”.
وشرع ترامب، في توسيع الحرب على “القاعدة وداعش” داخل اليمن، لتشمل إنزالات بريّة مشتركة، كما ضاعف أعداد الطائرات المسيّرة والغارات الجوية لأكثر من 4 أضعاف.
وبعد حادثة الصحفي السعودي، جمال خاشقجي، مارست إدارة ترامب، ضغوطًا كبرى على التحالف بقيادة السعودية لإنهاء الحرب في اليمن.
وفي إطار الضغوط القصوى التي مارسها ضد إيران، وضع جماعة الحوثي كمنظمة إرهابية أجنبية في آخر يوم من إدارته، ليصبح الحوثيون في قائمة الإرهاب الأمريكية بعد أن كانوا محاربين للإرهاب.
ربيع الحوثيين
مع تولي “جو بايدن” الرئاسة عام 2021، كان أوّل قرار اتخذه إلغاء قرار سلفه برفع جماعة الحوثي من قوائم الإرهاب، كجزء من التزامه بالوعود التي قطعها في حملته الانتخابية بحل الأزمة اليمنية عبر الدبلوماسية، وجعل السعودية “منبوذة”.
ووفق الباحث المثنّى، فقد “دفعت واشنطن وقتها لتسليم الحوثي حكم اليمن، مقابل صفقة مع إيران، وكذا محاولة احتواء الجماعة لابتزا السعودية في ظل الثقة الهشة التي تفاقمت بين البلدين مع نهاية عام ٢٠١٩. مضيفًا أن إدارة بايدن، مارست ضغوطًا قصوى على السعودية والحكومة اليمنية تحت مسمى خطوط الحرب الحمراء والحالة الإنسانية اليمنية، وعيّنت مبعوثًا خاصًا إلى اليمن”.
وفي حين نجحت بتجميد الحرب وفرض هدنة بين الحوثيين والسعودية، قال إن واشنطن تغاضت عن تهريب الأسلحة الإيرانية لجماعة الحوثي، مما عزز قدرات الجماعة وأدخل البلاد في حالة اللاحرب واللاسلم.
رغم المكافآت التي قدمتها إدارة بايدن، لجماعة الحوثي إلا أن انخراط الأخيرة في عمليات استهداف الملاحة الدولية في البحر الأحمر وخليج عدن دفع الإدارة الأمريكية لتغيير سياساتها واضطرها لقيادة تحالف “حارس الازدهار” لحماية السفن التجارية واستهداف منصات إطلاق صواريخ حوثية داخل اليمن منذ بداية 2024.
ومنذ نوفمبر/تشرين الأول 2023، وحتى يناير 2025، شملت الهجمات الحوثية بزعم مناصرة غزة ضد العدوان الإسرائيلي أكثر من 100 سفينة، مستفيدة من الدعم الإيراني المتزايد، بما في ذلك بصواريخ باليستية وطائرات بدون طيار، مما أدى لتعطيل التجارة العالمية وشكّلت حرجًا لإدارة بايدن التي ساندت الحوثيين، وفقًا للمثنى.
ساحة صراع
مع عودة ترامب، مجددًا، إلى الرئاسة في يناير 2025، قال المثنى، إن السياسة الأمريكية تجاه الحوثيين تغيرت جذريًا، حيث أطلقت حملة جوية مكثفة ضد الجماعة بدءًا من 15 مارس 2025، استهدفت مواقع الجماعة في صنعاء وعموم المناطق الخاضعة لسيطرتها، هي الأكبر منذ بدء التدخل الأمريكي المباشر عام 2024.
وأوضح الباحث سيف، أن هذه الضربات الأمريكية تشكل “جزءًا من مشهد أوسع يتعلق بالقضية المعقدة والممتدة منذ سنوات، وهي البرنامج النووي الإيراني”.
وإضافة إلى ذلك، قال إن هذه الحملة “مرتبطة بشكل وثيق بالسياق الأوسع للمفاوضات النووية مع إيران، وتأمين الملاحة الدولية، حيث كانت واشنطن بحاجة لمبرر يتيح لها عسكرة البحر الأحمر أمام الدول العظمى والدول الأوروبية. إلى جانب إضعاف الحوثي عسكريًا وتقوية موقف الحكومة اليمنية في أي تسوية سياسية مستقبلية.
وبينما تسعى الولايات المتحدة لردع الحوثيين وحماية مصالحها، قال المثنى، إنها “تواجه تحديات معقدة تتطلب نهجًا يتجاوز العمليات العسكرية إلى حلول دبلوماسية وسياسية”.
وفي كل الأحوال، أشار إلى أن اليمن يظل “ساحة صراع متعددة الأطراف، حيث تتشابك المصالح المحلية والإقليمية والدولية، مما يجعل إيجاد حل شامل مسألة بالغة التعقيد”.
ومنذ 15 مارس/آذار الماضي، شنّ الطيران الأمريكي مئات الغارات التي استهدفت مواقع ومخابئ ومخازن أسلحة ومقرات وغرف عمليات تابعة للحوثيين في ست محافظات خاضعة لسيطرة الجماعة بقوة السلاح، ما أدى إلى مقتل أكثر من 370 شخصًا وإصابة نحو 427 آخرين.
وفي 5 مارس/آذار 2025، أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية تصنيف الحوثيين "منظمة إرهابية أجنبية"، محققة بذلك ما وصفته المتحدثة باسم الخارجية "تامي بروس" بأنه "أحد الوعود الأولى للرئيس (دونالد) ترامب، عند توليه منصبه (في يناير/كانون الثاني 2025)".