برّان برس - وحدة الرصد:
في الوقت الذي تتصاعد فيه الضغوط السياسية والاقتصادية والعسكرية على جماعة الحوثي المصنفة دوليا في قوائم الإرهاب، وتلوح في الأفق لحظة سقوط طال انتظارها، مع تهاوي أوراق مشروعها، بدأت الأمم المتحدة بتحركات "محمومة" لإنقاذ الجماعة تحت شعار "إحياء مسار السلام".
تلك التحركات الأممية تُرجمت بلقاءات مكثفة يجريها مبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن، هانس غروندبرغ، آخرها لقائه في العاصمة العمانية مسقط، مع الوفد المفاوض للجماعة ومسؤولين عمانيين، حيث ركزت المناقشات على أهمية معالجة المخاوف المشروعة لجميع الأطراف المعنية، بما في ذلك المنطقة والمجتمع الدولي، وفقا لبيان نشره مكتب "غروندبرغ".
تلك التحركات واللقاءات التي يقودها المبعوث الأممي، أثارت موجة انتقادات غاضبة في أوساط الحكومة اليمنية المعترف بها واليمنيين المناوئين للجماعة المدعومة إيرانيا، واللذين رأوا في تلك التحركات محاولات لإنقاذ الجماعة التي قالوا إن لحظة سقوط والتي طال انتظارها تلوح في الأفق مع تهاوي أوراق مشروعها.
وفي حين احتفت جماعة الحوثي وعلى غير عادتها بذلك اللقاء، وسارع متحدثها "محمد عبدالسلام" إلى نشر تفاصيل اللقاء، في حين تعالت أصوات من الموالين للحكومة اليمنية المعترف بها، لطرد المبعوث الأممي الذين يرون أن يمثل منظمة انحازت منذ البداية للجماعة وانقلابها على الدولة ثم شنها حرباً مسببة أسوأ أزمة في العالم وفق تقارير الأمم المتحدة نفسها.
"برّان برس" رصد تعليقات اليمنيين الغاضبة إزاء تحركات المبعوث الأممي، والبداية مع وزيران في الحكومة اليمنية المعترف بها، حيث اعتبرها وزير الإعلام "معمر الإرياني"، في تصريحات نشرتها وكالة الأنباء اليمنية سبأ (رسمية) "إنقاذاً للحوثيين ولا تخدم السلام في اليمن".
انقاذ للحوثي
وذكر "الإرياني" أنه "في الوقت الذي تتصاعد فيه الضغوط السياسية والاقتصادية والعسكرية على الحوثي الإرهابية التابعة لإيران، وتلوح في الأفق لحظة السقوط التي طال انتظارها، نشهد تحركات محمومة تحت مظلة الأمم المتحدة، يقودها المبعوث الأممي إلى اليمن، لإنقاذ هذه المليشيا المتطرفة تحت شعار "إحياء مسار السلام".
واستدرك الوزير قائلا: "لكن الحقيقة التي يدركها الجميع، ولا يمكن القفز فوقها، هي أن هذه التحركات لا تخدم السلام في اليمن، ولا تدعم الأمن والاستقرار في المنطقة"، لافتاً إلى أنها "تمنح الحوثيين "طوق نجاة" سياسي في لحظة انكسار حرجة، وتوفر لهم فرصة لامتصاص الضربات، وإعادة التموضع استعدادا لجولة جديدة من التصعيد والإرهاب".
"الإرياني" أشار إلى أن التجربة اليمنية قد أثبتت "منذ انقلاب 2014 وحتى اليوم، أن جماعة الحوثي، لا تؤمن بالحوار، ولا تلتزم بالاتفاقات، ولا تعير أي احترام للجهود الأممية أو الإقليمية، مشيراً إلى "أن كل جولة تفاوض خاضها الحوثيون لم تكن إلا وسيلة لشراء الوقت، وترتيب الصفوف، وإطالة أمد الحرب، وتعميق معاناة الشعب اليمني".
وقال: "وفي كل مرة أُتيحت فيها لهذه المليشيا فرصة للاندماج في مسار سياسي، قابلتها بمزيد من العنف والتصعيد، وتوسيع رقعة القمع والانتهاكات ضد المواطنين في المناطق الخاضعة لسيطرتها، وبتكثيف الهجمات على الداخل اليمني، والمصالح الإقليمية، والملاحة الدولية في البحر الأحمر وخليج عدن".
وتابع بالقول: "لقد أصبح جليا أن مليشيا الحوثي ليست مجرد مليشيا انقلابية، بل أداة إيرانية قذرة، تُستخدم لزعزعة أمن المنطقة، وتهديد خطوط التجارة العالمية، وابتزاز المجتمع الدولي عبر استهداف المصالح الحيوية".
وأردف: "لذلك فإن كل من يسعى إلى إعادة تدوير هذه المليشيا المتطرفة بأي غطاء سياسي، يساهم عمليا في تعزيز الإرهاب العابر للحدود، وتقويض الأمن الإقليمي والدولي".
ودعا الوزير اليمنيين، والقوى الفاعلة على المستويين الإقليمي والدولي لأن "لا ينخدعوا بالخطاب "المسالم" الذي يتبناه الحوثيون في لحظة ضعف"، مبيناً أن ذلك الخطاب "واجهة خادعة لأجندة أكثر تطرفا، وقد أثبتت الوقائع أن كل تهدئة أعقبتها موجة أعنف من التصعيد، وأن كل مبادرة سلام استُغلت للانقلاب على الاتفاقات".
وقال: "إن أوراق المشروع الحوثي تتهاوى واحدة تلو الأخرى" مشيراً إلى "أن أبناء شعبنا اليمني الأحرار، لن يساوموا على قضيتهم العادلة، ولن يتراجعوا أمام مشروع المليشيا الحوثية الكهنوتي، مهما كانت التحديات".
تماهي وانقاذ
بدوره، جه وزير الأوقاف والإرشاد اليمني "محمد عيضة شبيبة"، انتقاداً شديد اللهجة للمبعوث الأممي، معتبرا أن "مصلحة اليمن وأمنها فوق كل اعتبار وفوق كل مفوض أو مبعوث".
وقال في تدوينة على منصة "إكس" رصدها "برّان برس": "في كل مرة يشتدّ فيها الخناق على مليشيا الحوثي الإيرانية، نتيجة جرائمها اليومية وسلوكها التدميري وإصرارها على تعطيل السلام، نرى المبعوث الأممي يسارع لإنقاذها تحت لافتة "التهدئة"، بينما يغض الطرف عن تنكرها لكل المبادرات والمساعي، ويمرّ بصمت على معاناة شعبنا الذي ضاق ذرعًا بهذه المليشيا".
وأضاف: "ألا يرىٰ سعادة المبعوث شواهد الإجرام الحوثي في مناطق سيطرته، وفي كل بقعة أرض من اليمن تصل إليها يده، ألا يسمع أنين اليمنيين في مناطق سيطرة المليشيا الحوثية، الذين يموتون جوعًا وقهرًا وقمعًا وتنكيلًا؟!".
الوزير شبيبة، قال: "إن السلام لا يُبنى بالتماهي مع الجلاد وتجاهل الضحية، وإن المواقف العادلة لا تُبنى على مجاملة الظالم وتناسي معاناة المظلوم، ويجب علينا أيضا ألا نسكت على تحركات المبعوث وتماهيه مع مليشيات الموت والإرهاب على حساب بلادنا وأوجاعها".
ارفضو المبعوث
إلى ذلك توالت الانتقادات في وسائل التواصل الاجتماعي، حيث دشن نشطاء وسم "#ارفضوا_المبعوث_الاممي" أكدوا فيه رفضهم لتلك التحركات لـ "غروندبرغ" وأنها لا تمثل تطلعات اليمنيين بإنهاء معاناتهم معتبرين ما يقوم به عجزاً وتماهياً مع ما يقوم به الحوثيون من انتهاكات وجرائم بحق الشعب اليمني.
الناشط والخبير العسكري، "محمد عبدالله الكميم"، قال ضمن الوسم الرافض: "عندما يفشل مبعوث الأمم المتحدة في اتخاذ موقف حازم تجاه اختطاف موظفي المنظمات، فالأمر لا يبدو عجزًا بريئًا، بل انعكاسًا لعلاقة مشبوهة مع ميليشيا الحوثي الإرهابية، تراكمت تفاصيلها خلال سنوات من التخادم والتواطؤ الخفي".
وأوضح في تدوينة أخرى على منصة "اكس"، بأن للأمم المتحدة "سياسة ثابتة تدعم الحرب وتطيل أمد معاناة اليمنيين"، مشيراً إلى أنه "منذ عام 2011، والأمم المتحدة تمارس ذات السياسة الخاطئة في اليمن، مع كل مبعوث أممي يأتي ليمارس نفس الأسلوب، "الكلام الفارغ، الوعود التي لا تتحقق، والتقاعس في اتخاذ مواقف حاسمة".
وذكر أن اللقاء الأخير "خطوة لا تخرج عن هذه القاعدة، يلتقي مبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن، هانز برندبيرج، مع الناطق الرسمي للميليشيات الحوثيرانية، محمد عبدالسلام في سلطنة عمان، رغم أنه مدرجاً في قائمة العقوبات الأمريكية كأحد قادة جماعة إرهابية".
وقال: "هذه الخطوة لا تمثل سوى استمرارية لنهج الأمم المتحدة في معالجة الأزمات"، موضحاً أنه "كلما اقترب اليمنيون من رؤية ضوء في نهاية نفق، تأتي تدخلات الأمم المتحدة لتعيد إحياء الميلشيا الحوثية الارهابية، تساهم في إبقاء الحرب مستعرة، وتطيل معاناة الشعب اليمني".
وأضاف "الأمم المتحدة، التي طالما ادّعت سعيها للسلام، لم تفعل شيئاً سوى دعم هذه الجماعات عبر تحركاتها الباهتة، وتقديم شرعية لهذه الميليشيات، بل وتعميق الأزمة"، متهماً إياها بأنها "لم تقتصر على تجاهل حقائق الواقع، بل كانت جزءاً من تمديد الصراع، إذ كانت تدخلاتها العديدة هي من جعلت الحوثيرانيين يمارسون دورهم كطرف مسيطر على الأرض".
وتابع بالقول: "في الوقت الذي كان فيه اليمنيون على وشك إنهاء الحرب عبر الحسم العسكري، كانت الأمم المتحدة ولا تزال، وبكل أسف، تمارس سياسة دعم استمرارية القتال تحت شعارات السلام المزيفة".
وأضاف متسائلاً: "كيف نتوقع من هذه المنظمة أن تكون راعية للسلام إذا كانت هي نفسها العامل الرئيسي في إبقاء الأزمات مستمر، كيف لنا أن نثق في مساعيها لإيجاد حل حقيقي بينما هي تسهم بشكل غير مباشر في دعم الجماعات الإرهابية التي تواصل جرائمها بحق الشعب اليمني".
استغلال وانتفاع
من جهته، قال الإعلامي "عبدالله اسماعيل" أن "المبعوث الأممي لا يملك مشروعاً أو خطة ناجحة لإنهاء الحرب في اليمن، ومشروعه الوحيد التدخل لإنقاذ الميليشيا واستغلال وظيفته للانتفاع على حساب موت شعب و دمار اليمن ونحن نطالب بوقف التعامل معه".
وأضاف: "إسماعيل" "عجز المبعوث الاممي المخزي على التعامل بحزم في ملف اختطاف موظفي المنظمات، لا يفسره سوى تورطه في الشراكة الكاملة مع تنظيم الحوثي الارهابي خلال السنوات الماضية، إلى الدرجة التي يخشى معه انكشاف تفاصيل ذلك التخادم".
في السياق ذاته شن الناشط "عزيز زائد" هجوماً لاذعاً على المبعوث الأممي، واصفاً له بـ "الفاشل" مبيناً أنه "فشل في تأمين إطلاق سراح موظفي الأمم المتحدة المعتقلين لدى الحوثيين، كيف يُمكننا أن نتوقع منه تحقيق السلام في اليمن".
وقال: "لن يتحقق السلام في اليمن إلا بمعجزة من السماء، لذلك، فإن استمرار هذا المبعوث في منصبه يُمثّل كارثة إنسانية على اليمن، واستبداله ضرورة مُلحّة للمجتمع الدولي من أجل السلام. لن يُحقق أي تقدم نحو السلام في اليمن، وأضاف "لا لانحياز المبعوثين، لماذا يجب على الشرعية اليمنية التصرف بحزم الآن؟".
انحيازات المبعوثين
من جانبه دعا الناشط السياسي "عبدالحليم صبر" الحكومة اليمنية المعترف بها إلى التعامل مع هذه التحركات بموقف موحد وشجاع، مشيراً إلى أن تكثيف "المبعوث الأممي من تحركاته لإحياء مسار سياسي، لكي لا "تنقلب المعادلة على الأرض لصالح الشرعية اليمنية".
وذكر "صبر" في تدوينة له، بأنه "ليس الشرعية اليمنية وحدها من واجهت انحيازات من مبعوثين دوليين، فقد شهدت دول أخرى مواقف مماثلة استخدمت فيها أدوات الضغط السياسي والقانوني. على سبيل المثال"، وقال إنه في عام 2021، طردت حكومة الوحدة الوطنية الليبية المبعوث الأممي "يان كوبيش" بتهمة التحيز وإخفاقه في تحقيق الانتخابات، مما دفع الأمم المتحدة لتعيين مبعوث جديد.
،
وأضاف: "في عام 2022، ضغطت الحكومة السودانية على الأمم المتحدة لاستبدال المبعوث فولكر بيرتس بسبب انتقاداته واتهامه بالانحياز، وتجاهل تنفيذ التفويض الممنوح للبعثة، مما أدى إلى تعديل ولايتها"،
ولفت إلى أن الشرعية اليمنية تمتلك أدوات ضغط قانونية وسياسية للتعامل مع المبعوث الأممي إذا شعرت بانحياز أو تجاوز لمهامه المحددة، مثل توجيه انتقادات علنية لتحيزه، أو المطالبة بالحياد أو استبداله.
ووفق "صبر"، فإن على الحكومة "تجنب الانسياق وراء أي مبادرة مشبوهة تهدف لإنقاذ الحوثيين، والتمسك بالمرجعيات المتفق عليها، وهذا يتعلق بالضغط السياسي والدبلوماسي، إضافة إلى تصعيد الخطاب الإعلامي لتوضيح أن أي تسوية الآن ستكون مكافأة للانقلابيين على حساب معاناة الشعب اليمني، مع توثيق الانحيازات والمطالبة باستبدال المبعوث الأممي عبر القنوات القانونية والسياسية.
لا تراجع عن الحسم
وعلى وتيرة الهجوم نفسه، تساءل الإعلامي "أحمد المسيبلي" قائلاً: "عن أي سلام يتحدث هؤلاء الإرهابيون"، مضيفاً: "لقد جربناهم ألف مرة، ولم يوفوا بعهد واحد أو ميثاق".
وقال مخاطباً من أسماهم الأحرار والحرائر: "امضوا في طريق تحرير أرضكم وشعبكم و لا تهتموا كثيراً لتحركات بعض الزعران تحت مظلة الأمم المتحدة، الذين يقودهم المبعوث الأممي إلى اليمن، هادفين إنقاذ العصابة الحوثية الإرهابية، باسم السلام الكاذب المزيف الذي هو منهم براء".
وأردف بالقول: "الجميع متفقون أنه لاتراجع أبداً عن الحسم والتحرير بكل الوسائل والطرق، ولن يساومون بقضية الوطن الكبرى، مهما كانت التحديات، وسيواصلون النضال للقضاء على هذه العصابة الإيرانية الإرهابية وإنهاء الهيمنة الإيرانية واستعادة الدولة اليمنية الجامعة".