في خضم التحوّلات الجيوسياسية المتسارعة في جنوب الجزيرة العربية، يقف اليمن على مفترق طرق حاسم. لم يعد مقبولًا أن يبقى هذا البلد مركز أزمة وساحة صراع بالوكالة، بل أصبح من الضروري أن ينطلق من موقع الشريك المحوري في هيكلة شرق أوسطٍ جديد. ومن هذا المنطلق، أمام الولايات المتحدة الأمريكية اليوم فرصة تاريخية واضحة المعالم لليمن، مبنيًّا على نموذج العلاقات الأمريكية–الخليجية الممتدة منذ ستينيات القرن الماضي، ولكن بما يتناسب مع خصوصية الحالة اليمنية.
استبدال النفوذ العربي بالنفوذ الأمريكي البنّاء تتولّى أمريكا مسؤولية دعم الدولة اليمنية المركزية، بدلًا من سياسة التفتيت التي اتبعتها دول الإقليم عبر تحكم مباشر في القرار وتأسيس مليشيات موازية. هذا الاستبدال لا يعني استعمارًا جديدًا، بل شراكة استراتيجية تتأسس على الاحترام المتبادل للسيادة.
شروط علاقة شاملة وطويلة الأمد ترتكز الشراكة على أربع ركائز متكاملة: دفاع مشترك، اقتصاد استراتيجي، حوار سياسي ودستوري، وبناء نخبة مؤسسية جديدة.
اتفاقية دفاع مشترك
بناء جيش يمني بالأسلحة المتوسطة والمدافع المضادة للطائرات.، قامة شبكة دفاع جوي بحرية لحماية السواحل ومضيق باب المندب. إنشاء أكاديمية قيادات عسكرية يمنية بتمويل أمريكي لتدريب الضباط على إدارة الأزمات والاستجابة للتهديدات المعقدة.
اتفاقية اقتصادية
منح اليمن حزمة دعم مالي ومنح ميسرة لإعادة الإعمار والبنى التحتية. شراكات امتياز مع كبرى شركات النفط والغاز الأمريكية لاستغلال ثروات مأرب وشبوة، وحضرموت والجوف، مع ضمان تحويل نسبة من العائدات لتمويل مشاريع تنموية محلية.
تأسيس صندوق تنمية مشترك يديره خبراء يمنيون وأمريكيون لضمان الشفافية ومتابعة الاستخدام الأمثل للموارد.
اتفاق سياسي ودستوري
رعاية واشنطن لحوار وطني شامل يفضي إلى عقد اجتماعي جديد يعيد صياغة صلاحيات الدولة والمحافظات، دعم قانوني ودستوري يرعى حقوق الأقليات والأقاليم، ويوطد مبادئ الشراكة والتداول السلمي للسلطة.
مبادرة بناء نخبة سياسية ومؤسسية، برامج طويلة الأمد في الحوكمة والعدالة الانتقالية بالتعاون مع المؤسسات الأكاديمية الأمريكية.، دعم تشكّل أحزاب سياسية وطنية عبر منح تقنية واستشارية وإطار تشريعي يضمن المنافسة الشفافة.،
التوسيع الاقتصادي: من إعادة الإعمار إلى نمو مستدام» الموانئ والمطارات: تأهيل موانئ عدن والمخا والحديدة، وتجهيز مطار عدن الدولي بأنظمة حديثة، لزيادة الطاقة الاستيعابية من 500 ألف إلى أكثر من مليون راكب سنويًا.
الطرق والشبكات اللوجستية: إنشاء طرق سريعة بين المحافظات لخفض زمن نقل البضائع من 48 ساعة إلى أقل من 24 ساعة، بالشراكة مع USAID وشركات مثل Bechtel. الطاقة: استقطاب استثمارات في استكشاف الغاز قبالة السواحل وتنمية آبار نفط مأرب بإشراف يمني–أمريكي.
الطاقة المتجددة: إنشاء محطات شمسية وريحية بقدرة 1000 ميغاواط في حضرموت وعدن وتعز بتمويل من DFC.
مناطق اقتصادية خاصة ومدن صناعية: منطقتان في عدن (لوجستيات بحرية) وأبين (زراعة حديثة وصناعات تحويلية)، مع حوافز ضريبية 15 عامًا.
الزراعة والسياحة: برامج تقنيّة لإعادة تأهيل شبكات الري، وتطوير السياحة البيئية والتراثية في مأرب وسقطرى لخلق 50 ألف فرصة عمل.
بناء مؤسسي وحوكمة رشيدة
نشاء هيئة رقابية مستقلة مشتركة للإشراف على الإنفاق، تقدم تقارير ربع سنوية.
اعتماد منظومة إلكترونية لمتابعة المشاريع وتقليل الفساد، بدعم من وزارة العدل الأمريكية.
التوسيع الأمني.. تكامل القدرات وحماية السيادة
بناء جيش وطني مهني: تدريب الضباط على التكتيكات المتقدمة والتصدي للأزمات الكيميائية والبيولوجية، وتزويدهم بمنظومات دفاع متوسطة (باتريوت) وآليات خفيفة.، الأمن الداخلي ومكافحة الإرهاب: دمج الوحدات الأمنية تحت شرطة اتحادية بإشراف FBI، وإنشاء غرفة عمليات مشتركة لمكافحة التهريب والتطرّف.
حماية السواحل وباب المندب: دوريات بحرية يمنية مدعومة فنيًا، ومنظومة مراقبة بالأقمار الصناعية (CubeSats) بالتعاون مع ناسا.
إصلاح الاستخبارات: توحيد الأجهزة الأمنية تحت هيئة مركزية جديدة، مع ميثاق عمل يلتزم باحترام حقوق الإنسان مقابل دعم تقني ومدني.
ماذا ستستفيد أمريكا من هذه الاتفاقيات؟
التحكم في بوابة بحرية استراتيجية: اليمن يشرف على مضيق باب المندب، أحد أهم الممرات المائية في العالم. ضمان وجود أمريكي مباشر أو غير مباشر هناك يعني تعزيز السيطرة على خطوط التجارة العالمية والنفط.
. تقليص النفوذ الصيني والروسي والإيراني: من خلال تثبيت حضورها في اليمن، تستطيع واشنطن الحد من تمدد بكين وموسكو في البحر الأحمر، ومنع طهران من استخدام الحوثيين كورقة نفوذ إقليمي، الوصول إلى ثروات طبيعية ضخمة: الاتفاقيات المقترحة تمنح الشركات الأمريكية امتيازات في استكشاف واستثمار الغاز والنفط، ما يفتح أبوابًا لمصالح اقتصادية كبرى.
و بناء شريك موثوق بديل للخليج التقليدي: بعد التوترات مع بعض دول الخليج، ترغب أمريكا في توسيع خريطتها الإقليمية ببناء تحالفات جديدة أكثر مرونة، واليمن يمثل فرصة لذلك. و احتواء الإرهاب واللاجئين من المنبع: دعم الاستقرار في اليمن يقلل الحاجة إلى تدخلات عسكرية لاحقة، ويحدّ من موجات الهجرة والتطرف، وهو ما يصب في مصلحة الأمن القومي الأمريكي.. خلق نموذج حليف جديد في العالم العربي:
شراكة طويلة الأمد مع اليمن تُستخدم كنموذج دعائي في مواجهة انتقادات سياسات أمريكا في الشرق الأوسط، خاصة إذا اقترنت بإصلاحات سياسية واقتصادية.
بالتالي، فإن أمريكا في هذه الشراكة لا تخسر شيئًا، بل تبني نفوذًا طويل المدى بتكلفة سياسية واقتصادية محدودة، وتحصل على حصة في القرار اليمني مقابل المساعدة.
ما سيستفيده اليمن واليمنيون من هذه الاتفاقيات
يمكن تلخيصه في عدة مستويات مترابطة تمثل تحولًا جذريًا في بنية الدولة والاقتصاد والأمن:
استعادة الدولة اليمنية وإنهاء التفتت، أمريكا تُقدَّم كبديل عن التدخلات الإقليمية المُمزقة، من خلال دعم مؤسسات الدولة اليمنية وليس المليشيات.
هذا يضع اليمنيين مجددًا تحت كيان سياسي موحد، ويقلل من هيمنة الفواعل غير النظامية.
إعادة بناء الجيش والمؤسسات الأمنية من خلال اتفاقية دفاع مشترك تشمل تدريب وتحديث وتسليح الجيش اليمني، سيتمكّن اليمن من حماية سيادته، خاصة في باب المندب.
إدماج الشرطة والمخابرات في أجهزة مهنية مدعومة أمريكيًا يضمن أمنًا داخليًا حقيقيًا.
تحفيز اقتصادي شامل ومستدام فالاتفاقيات الاقتصادية تُخرج اليمن من حالة المساعدات الطارئة إلى شراكات إنتاجية طويلة الأمد.
دعم مشاريع البنية التحتية، الطاقة المتجددة، المناطق الصناعية والزراعة الذكية يوفّر فرص عمل ويؤسس لاقتصاد حقيقي.
تحول سياسي نحو التعددية والشفافية رعاية أمريكية لحوار وطني ودستور جديد يعيد توزيع السلطات، ويمنح المحافظات حقوقًا ضمن دولة اتحادية.
دعم الأحزاب والنخب السياسية يفتح المجال لبناء نظام ديمقراطي مستقر. و حوكمة رشيدة ومكافحة الفساد.
ومؤسسات رقابة مالية وفنية مشتركة تضمن ألا تذهب الأموال إلى جيوب الفاسدين، بل تُصرف على المشاريع فعليًا.
استثمار جيوسياسي في موقع اليمن تأمين باب المندب لا يعود بالنفع الأمني فقط، بل يعزز مكانة اليمن كفاعل دولي مهم في سلاسل التوريد البحرية.
الفائدة الكبرى لليمنيين هي الخروج من نفق الحرب والتفكك نحو دولة حديثة، متماسكة، تنموية، وآمنة، عبر شراكة لا تُصادر القرار اليمني بل تُمكّنه. هذه الاتفاقيات تمثّل تحولًا من "ميدان معركة" إلى "محور تنمية".
*المقال يمثل وجهة نظر كاتبه ولا يمثل بالضرورة رأي المؤسسة