تحولت لغة الجسد لولي العهد السعودي لحظة اعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، عن رفع العقوبات المفروضة على سوريا، إلى لقطة متداولة، و"ترند" سوري، غطت وسائل التواصل ومختلف وسائل الاعلام، ولو اردنا أن نضع عنوان لهذا الفعل المتبادل لكان "الشعور بالامتنان"، ويمكن وصفها ب"دبلوماسية القلوب" كمنهجية توازي الدبلوماسية الناعمة او الشعبية، واعمق اثرا مما يعرف بالقوة الناعمة أو أنسنة النفوذ. حالة لافتة تفرض نفسها للنقاش والقراءة لاعتبارات عدة.
وقبل أن نخوض في قراءة ما وراء اللقطة، فإن اللحظة نفسها كانت عاطفية وصادقة، وإنسانية مكتظة بالمشاعر الدافئة، التي كان سمو الأمير محمد بن سلمان يفصح عن سعادته ومشاركته للشعب السوري العظيم الفرحة الغامرة بدخول عهد جديد يداوي جراحاته الغائرة المتراكمة منذ ازيد من نصف قرن.
ورد الفعل الرسمية والشعبية للسوريين، ومبادلة الامتنان بالامتنان، تفصح في المقابل عن أمة مرهقة وشعوب طحنتها الحروب واستنزفتها الجرائم البشعة بكل انواعها، وكانت بحاجة ماسة إلى دبلوماسية المشاعر الأخوية، ولغة القلوب تمسح دموع السنوات الطويلة من العذابات والقتل والدمار والشتات والغرق والتيه في البر والبحر.
الرسائل التي حملتها تلك اللقطة لا تحتمل التفسيرات التي تصدر عن احكام مسبقة، او مواقف متصلبة سواءاً كانت مبالغة في الولاء، او فجرا في الخصومة.
وبعيدا ايضا عن انطباع غير السوريين من تلك اللقطة، فإن الفعل ورد الفعل والامتنان الغزير ووقوف الأمير محمد بن سلمان للتصفيق للرئيس ترامب ابتهاجا للشعب السوري والحكومة السورية، في موقف استثنائي يستحق أن نتوقف عند الدور السعودي في المنطقة ومقارنة نفوذها المتنامي مع المشاريع الإقليمية ورؤيتها للدول العربية والشعوب العربية خلال السنوات العشر الأخيرة!.
منذ احتلال العراق، عام ٢٠٠٣م تحولت المنطقة العربية من مجال صراع القوى الدولية إلى "المجال الحيوي الأمريكي"، ومنذ ما بعد الربيع العربي عقدت الولايات المتحدة الامريكية صفقات، جانبية، لتوزيع النفوذ في المنطقة بين قوى إقليمية، تحول إلى صراع مشاريع، كاد أن يؤدي إلى "فراغ" من الهيمنة الامريكية، قد تملؤه قوة عظمى إما الصين او روسيا بحسب وصف الرئيس الأمريكي بايدن في زيارته للرياض عام ٢٠٢٢ وقال أنه لن يسمح بهذا الفراغ.
عاشت دول المنطقة في المرحلة الأخيرة سنوات بالغة الخطورة في تاريخها، فقد أريد لنا أن نختار بين نموذجين من المشاريع الإقليمية التي كانت بمثابة مقاول من الباطن للهيمنة الامريكية خلال العقدين الماضيين، هما إيران واسرائيل، واستهدف الوعي الجمعي العربي بحرب مسعورة، تحاول تدجينه واستلابه من ذاته واغتيال شخصيته، وتحويله إلى ملحق تابع لكلا المشروعين، وكادا يتحولان إلى قدر محتوم، وأن عليك كعربي إما ان تنحاز للمشروع الصهيوني أو المشروع الايراني، وكأننا لسنا أمة نستحق أن تكون لنا دول تربطها هوية ولغة ومصالح مشتركة وروابط اخوية وعادات وتقاليد متشابهة ضاربة في جذور التاريخ ولها كيانها وشخصيتها وحضارتها وقيمها وإنجازاتها التي بلغت الافاق وشملت الإنسانية جمعاء.
نجحت إيران في تحويل البلد الغني بالنفط والثروات، والدولة التي كانت تنفق على ما يقارب من ١٥٠ جامعة في دول شتى من العالم، وتلك الجغرافيا الرابضة على بحيرة نفط، حولتها إلى ساحة للصراعات والفقر والجوع والفساد، والحرب الهوياتية والقتال الطائفي وصنعت تحالفات بين أقليات صغيرة أسندت لها مهمة "إدارة النفوذ" في شكل السلطة المعينة، المسلحة بالقوة والمال، وبالعقيدة المفروضة، وكذلك فعلت في سوريا واليمن ولبنان، مثلها فعل المشروع الصهيوني، حيث انتزعا حق شعوبنا، ويريدون تحويل أصحاب الارض في بغداد والقدس وصنعاء وبيروت، إلى مجرد سكان، بلا هوية ولا إرادة ولا حقوق ولا دولة.
النفوذ السعودي بقيادة ولي العهد يعتمد التدخل الإيجابي، ومن خلال تتبع الاحداث والوقائع، فإن دبلوماسية القلوب يكاد يكون عنوان المرحلة، أو هكذا يتوقع المواطن العربي الذي شردته الحروب، ولاحقته الفجائع والكوارث، والنكبات، وتعددت حوله المصائب والنوائب، حتى بات في حالة سحيقة، لم تعد المواقف وحدها تكفي لشد أزره وإيقافه على قدميه، بل بات في حاجة ماسة إلى دبلوماسية القلوب تشاركه فرحته، وترسم البسمة الكبرى على محياه، وأكبر افراحنا أن نستعيد أوطاننا، وأعظم انجازاتك أن تكون شريك الفرحة وصانعها، وأنت تفوز بدبلوماسية القلوب.