مأزق السياسة في ظل تآكل الأحزاب.. من يترجم النقد؟

الاثنين 19 مايو 2025 |منذ يومين
عبدالمجيد الصلاحي

عبدالمجيد الصلاحي

الحياة السياسية بدون أحزاب مثل لعبة الغماية من مسكته غريم.. لا قواعد تضبطها ولا أهداف تؤطرها.. حتى النقد السياسي يفقد معناه، ويتحول إلى شكوى عابرة أو حالة من السخط غير المنتج. فالنقد، في غياب المؤسسات الحزبية، لا يجد من يتلقاه أو يترجمه إلى برامج ورؤى قابلة للقياس والمساءلة. وحدها الأحزاب القادرة على استيعاب هذا النقد، وتأطيره ضمن مشاريع إصلاحية تؤسس لبدائل واقعية.

طَفَحَ النقد السياسي في ظل ضمور العمل الحزبي، حتى أصبح مهنة من لا مهنة له؛ نقد يخلو من المسؤولية ولا يستند إلى مشروع جماعي، حتى غدا مجرد ضجيج في الفضاء العام، لا يسهم في التغيير ولا يُبنى عليه موقف سياسي جاد. الأحزاب حين تكون في وضعها الطبيعي، تؤدي وظيفة مركزية في تنظيم هذا النقد، وتوجيهه نحو إصلاح فعلي ينبع من داخل البنية السياسية لا من هوامشها.

الفردية في العمل السياسي سواء في الممارسة أو في النقد، تشكل خطرا حقيقيا على المسار الديمقراطي. فهي تقود إلى التسلط عندما تتحول إلى نمط في الحكم، وإلى النزق والارتجال عندما تصبح سمة للنقد السياسي، فتُضعف من قدرته على التأثير وتفقده مشروعيته.

الأسوأ أن الأحزاب السياسية اليمنية بما تبقى لها من شكل تنظيمي، أغلقت منافذ النقد والتقويم الداخلي، فتراكمت الأخطاء، وتعالى النقد في الفضاء العام بصيغ غير منظمة، لا تُحقق الغرض المنشود منها. والنتيجة: المزيد من التشويش، وتقليص منسوب الثقة في ليس في القيادات الحزبية بل بكفاءة الأداء السياسي وجدواه.

إن أي مشروع جاد لإصلاح الحياة السياسية يجب أن يبدأ من إصلاح بنية العمل الحزبي، وتفعيل التعددية السياسية ضمن إطار مؤسسي يتكامل مع مشروع الدولة، لا أن يكون خارجه أو في تضاد معه. فمن غير المقبول أن يتصدر قيادة البلاد أشخاص لا يمثلون أحزابهم، ولا يخضعون للمساءلة التنظيمية، ولا يملكون القدرة على توجيه أداء الحزب لصالح المشروع الوطني.

إن استعادة الحياة السياسية لديناميكيتها ومصداقيتها تمر حتما عبر بوابة تفعيل العمل الحزبي، وضمان بيئة سياسية تسمح بالتعدد والاختلاف المنظم، وتؤسس لثقافة مساءلة وطنية تنبثق من داخل المؤسسات، لا من خارجها.. والأحزاب ذاتها مطالبة بإصلاح منظومتها الداخلية، وتجديد آلياتها الديمقراطية. فدون هذا الإصلاح البنيوي، ستبقى الأحزاب عاجزة عن القيام بوظيفتها الحيوية في تأطير المشاركة، وصناعة البدائل، وتمثيل تطلعات المجتمع بشكل مسؤول ومؤسسي.

https://barran.press/articles/topic/9430