التمييز الطبقي في المجتمع اليمني بين الإسلام والعادات

الثلاثاء 20 مايو 2025 |منذ يوم
أفنان السريحي

أفنان السريحي

لقد تركت فترة حكم الإمامة في اليمن إرثاً ثقيلاً من الأعراف والتقاليد الاجتماعية التي لا أساس لها في الشرع، بل زرعت بذور التمييز والفرقة في عقول اليمنيين. من أبرز هذه الأعراف تصنيف بعض المهن الشريفة والمفيدة للمجتمع، والتي يكتسب أصحابها رزقاً حلالاً، في أدنى المراتب الاجتماعية، مثل مهن الجزار والحلاق وبائع الخضر.

لقد رسخت هذه الأعراف التمايز والفرقة بين أفراد المجتمع فخلقت طبقات اجتماعية مصطنعة ومن أمثلة ذلك الأعراف التي كانت تمنع زواج القبيلي من ابنة المزين أو العكس مما أدى إلى نشوء مشاعر الحقد والتباعد بين مختلف فئات المجتمع وطبقاته كان الهدف من وراء هذه التقسيمات خدمة مصالح السلالة الحاكمة آنذاك بوضع نفسها في أعلى الهرم الاجتماعي وخلق مراتب أدنى وأدنى لضمان سيطرتها وتفوقها المزعوم.

إن هذه الأعراف والتقسيمات الاجتماعية تتناقض بشكل صارخ مع مبادئ ديننا الإسلامي الحنيف الذي ساوى بين الناس وجعل التفاضل بينهم بالتقوى والعمل الصالح فقط لا بالأصل أو المهنة أو النسب فالمسلمون سواسية كأسنان المشط لا فرق بين عربي وأعجمي إلا بالتقوى.

مع مرور الزمن ونمو الوعي المجتمعي بدأت بعض هذه الأعراف القديمة المرتبطة بالتمييز الطبقي تتلاشى تدريجياً وأصبح الناس أكثر إدراكاً لمبدأ المساواة ولكن للأسف لا تزال آثار هذا الإرث التمييزي تظهر بين الحين والآخر كما حدث مؤخراً في قضية قبيلة السباعي التي تبرأت من أحد أبنائها.

لقد تحول عرس الشاب يحيى السباعي في العاصمة صنعاء إلى قضية رأي عام ومهرجان للتضامن بعد أن تعرض لتهديد بالقتل من قبل شقيقه لمجرد زواجه من فتاة خارج قبيلته وهي ابنة أحد أفراد المجتمع الذي يكسب رزقه بالحلال لكن مهنته لا تزال تشكل عائقاً أمام قبول زواجها في بعض الأوساط التي تتمسك بالأعراف القديمة هذه الحادثة المؤسفة والدعوات التي أطلقها وكيل أمانة العاصمة وغيره لجعل العرس مهرجاناً جماهيرياً للتضامن والبيان المضاد الذي أصدره شباب من القبيلة يرفضون فيه التبرؤ من العريس كلها تعكس أن الصراع بين الوعي الحديث والأعراف الجاهلية القديمة لا يزال قائماً لقد استنكر الكثير من أبناء الشعب اليمني هذا الموقف مؤكدين وقوفهم مع العريس ورفضهم للتمييز المبني على المهنة أو النسب.

إلى جانب استمرار بعض مظاهر التمييز الطبقي القديم برزت ظواهر أخرى تعكس نوعاً مختلفاً من التفكير السطحي والجاهل مثل ظاهرة المزاينة (التفاخر وحب المظاهر) في المناسبات الاجتماعية هذه الظاهرة وإن كانت مختلفة عن التمييز المهني والنسبي الذي زرعته الإمامة إلا أنها تشترك في كونها تعكس قيماً خاطئة وتفكيراً يركز على المظاهر الخارجية بدلاً من الجوهر فالمزاينة في اليمن ليست مجرد عادة اجتماعية بل هي مؤشر على مجتمع لا يزال يعاني من تأثير عادات وتقاليد تضع القيمة في غير موضعها الصحيح.

إن إرث الإمامة من الأعراف التمييزية واستمرار بعض مظاهرها كما في قضية السباعي وظواهر السطحية المعاصرة كالمزاينة كلاهما يعكسان الحاجة الملحة لتغيير عميق في الوعي المجتمعي يجب على المجتمع اليمني أن يتجاوز هذه الأنماط الفكرية التي تفرق بين أبنائه وتثقل كاهلهم وأن يعود إلى القيم الإسلامية والإنسانية التي تؤكد على المساواة، والتعاون، وتقدير الجوهر على المظهر إن التخلص من هذه العادات السلبية سواء كانت قديمة أو حديثة هو خطوة أساسية نحو بناء مجتمع أكثر عدلاً وتماسكاً وازدهاراً مجتمع تسوده التقوى والمساواة الحقيقية.

https://barran.press/articles/topic/9452