الحرب من منظور اقتصادي: صراع مصالح لا دفاع عن أوطان

دعاء صوان
تُقدَّم الحروب عادةً في الخطاب السياسي والإعلامي على أنها حتمية دفاعية لحماية السيادة الوطنية، أو استجابة لتهديدات خارجية تمس كيان الدولة.
لكن القراءة الاقتصادية العميقة تكشف أن الحروب، في كثير من الحالات، تُصنَع وتُدار من خلف الكواليس لأهداف تتجاوز ما يُعلن عنه، وتصبّ في مصالح أطراف اقتصادية فاعلة.
الحرب ليست مجرد نزاعات بالمعنى التقليدي؛ إنها في جوهرها حرب اقتصادية متنكرة بعباءة "الوطن". فكلما اشتعلت الحروب، يتسابق الجميع للحديث عن الوطن والشرف والسيادة والمؤامرات الخارجية.
ولكن بالتعمق أكثر، ندرك أن هذه الشعارات ليست سوى واجهة ناعمة لحقيقة أقسى: الحرب هي صراع مصالح اقتصادية بامتياز، لا قضية شرف أو وطن.
لا أحد يقول الحقيقة كما هي. ولا أحد يعترف أن دماء الناس تُسفك أحيانًا في هذه الحروب من أجل مصلحة شخصية، بل تُستخدم الوطنية كستار لتخدير وعي الناس، ليبدو الأمر وكأنه دفاع عن الحق، بينما هو في الحقيقة «حرب مصالح».
السؤال الذي ينبغي أن يُطرح عند كل نزاع مسلح هو:
من المستفيد الفعلي من هذه الحرب؟ هل هي الشعوب التي تدفع أرواحها ثمنًا؟ أم القوى الاقتصادية التي تقتنص الفرص في ظل الفوضى؟.
إذًا.. ولو نظرنا لأي حرب من منظور بعيد، سنجد أن الرابحين دائمًا هم:
• طرف يبيع السلاح: دول أو تجار أو منظمات تنشط في بيع الأسلحة.
• طرف يحصل على مشاريع إعادة إعمار.
• طرف يزيح منافسا اقتصاديا عن طريق تفجير أرضه.
• أو دولة تجد في الحرب فرصة لإنعاش اقتصادها من بوابة الأزمات.
والوقائع تُظهر أن الشركات العاملة في قطاع السلاح، وتلك المعنية بإعادة الإعمار، والمؤسسات المالية الكبرى، غالبًا ما تكون الرابح الأكبر في الحروب. فكل طلقة تُطلق، وكل منشأة تُدمَّر، تمثل فاتورة جديدة تملأ خزائن تلك الأطراف.
السيطرة على الثروات الطبيعية والمواقع الاستراتيجية يُعد دافعًا رئيسيًا خفيًا وراء اندلاع العديد من النزاعات. فما يُروَّج له بأنه «معركة لاستعادة الشرعية» أو «حرب ضد الإرهاب» قد يكون في حقيقته صراعًا على أنبوب نفط، أو منفذ بحري، أو سوق إقليمية جديدة.
وفي خضم هذه الصراعات، تتحول الدول إلى ساحات نفوذ، وتُستخدم الحكومات كواجهات، بينما تُدار الملفات من قبل لوبيات اقتصادية عابرة للحدود. حتى القرارات السيادية قد تُتخذ تحت ضغط المصالح التجارية أكثر مما تُبنى على اعتبارات وطنية بحتة.
أما الذين يخسرون دائمًا فهم الناس: الشباب الذين يُزج بهم في المعارك، الأمهات اللواتي ينتظرن أبناء لن يعودوا، والأطفال الذين يكبرون في خيام النزوح، بينما تُعقد الصفقات فوق ركام بيوتهم.
وفي حين يُحمَّل المواطن عبء الحرب معنويًا وماديًا، تغيب الشفافية عن صفقات التسليح، ومصادر التمويل، وأجندات التدخل الخارجي. وبالتالي مزيد من الحرب ومن تفاقم الوضع والضحية دائمًا هو المواطن.
الخلاصة:
في زمن تتعدد فيه أشكال الحروب وتبريراتها، يظل الفهم الاقتصادي للصراعات ضرورة حتمية لفك شفرات الأحداث الجارية. فلا يمكن قراءة أي حروب اليوم بمعزل عن منطق السوق والمصالح الكبرى.
ولذا، فإن رفع وعي الشعوب حول الأبعاد الاقتصادية للنزاعات يمثل خطوة أساسية نحو بناء سلام حقيقي لا يُدار من غرف الصفقات، بل يُبنى بإرادة الشعوب وشفافية القرار.
إذا.. لا تبرئ السياسة من المشهد، وهي غالبا ان لم يكن دائما مجرد أداة تساق بها الشعوب نحو معارك اختارتها الجيوب لا المبادئ.
وفي النهاية.. الوطن لا يدافع عنه بالحرب فقط، بل بالوعي. والوعي الحقيقي يبدأ عندما نسأل أنفسنا:
من يربح من استمرار هذه الحرب؟ ومن يدفع الثمن؟