الأيديولوجيا التي تصطدم بالمصلحة الوطنية للشعب، لا بد من النظر إليها على أنها أيديولوجيا خربانة، وأن من يعمل على تسويقها منفصل عن الواقع الذي يعيش فيه.
يمر اليمن اليوم بأهم لحظة من اللحظات التاريخية التي تختبر فيها الأيديولوجيات والأفكار والقناعات السياسية التي نشأت في ظروف معينة ولم تستطع أن تتحرك مع الواقع الذي يشهد، على نحو حاسم، تغيرات عميقة. ومعه نلاحظ حالة الارتباك والتخبط التي ظهرت عند اليمنيين (طبعًا من غير الحوثيين ومناصريهم) في موقفهم من المواجهة العسكرية الإيرانية-الإسرائيلية. وبداية يمكن القول إن الأيديولوجيا والأفكار والقناعات التي لا تستطيع أن تدرك أولويات المصلحة الوطنية، حينما يتعين عليها ذلك، خاصة وقد غدت المنطقة تعج بأحداث ستغير نتائجها وجه الحياة فيها، لا بد أن خللًا عميقًا قد أصابها، وأصبح لزامًا على منتسبيها أن يتداركوا المسار الخاطئ الذي سيقودهم ولا شك إلى التخندق في المكان الخاطئ من التاريخ.
لا مصلحة تعلو مصلحة الوطن، فالوطني الجيد، في اللحظة الراهنة، هو الذي يستطيع أن يدرك أن هناك منطقًا آخر لمجريات الحياة يتحرك بفعل القوانين الموضوعية وتناقضات المصالح، والتقاطها بشكل يجسد ما يعرف باللحظة التي تحمل في طياتها دهرًا.
العالم صنع من إسرائيل بعبعًا في هذا الجزء من العالم، ثم راح يتضخم بقتل الفلسطينيين وتشريدهم من أرضهم، وسكت في نفس الوقت عن السلوك العدواني للنظام الإيراني لأسباب ترجع إلى نفس الهدف الذي دعم بموجبه إسرائيل، مع اختلاف الأدوات.
وفي الوقت الذي جمعتنا فيه إسرائيل في مسار غاضب مشترك تجاه عدوانها الغاشم على فلسطين وقتل وتشريد أبنائها، عملت إيران على تمزيقنا بأدوات مشروعها اللعين باستنساخ مقاومة تدين لها بالولاء، ومنحها دورًا أحاديًا منفردًا ومتميزًا في "مقاومة العدوان الإسرائيلي" لتغطي دورها الحقيقي المرسوم لها ضمن أهدافها التكتيكية والاستراتيجية والموكل بتكسير الدولة الوطنية في أكثر من بلد عربي ومنها اليمن.
القوتان اللتان تنازعتا السيطرة في هذه المنطقة من العالم، وظلتا تنتجان الأسباب لبعضهما لتعزيز أدوات الهيمنة، تصدمان اليوم لتفتحا الأبواب المغلقة لحل مشكلاتهما: "سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم".
المهم التقاط اللحظة، وليس الغرق فيها.