المرأة.. ميدان حرب الحوثيين الأشد قسوة

عبدالمجيد الصلاحي
في زوايا مواقعهم الالكترونية، يتناولون فتوى شائهة، يسألون فيها: هل يجوز زواج الشريف من غير الشريفة؟. فتقشعر من وقعها الأبدان، لا لجدة السؤال، بل لما ينطوي عليه من استعلاء عنصري يزعم أن نساءهم شريفات وسائر اليمنيات دونهن في الشرف والمكانة.
هكذا تفصح السلالة الإمامية عن وجهها الحقيقي، وجه يرى في نسبه حقا إلهيا، وفي بقية اليمنيين رعاعا خُلقوا لخدمتهم وطاعتهم.
لايقف قبح الحوثيين عند حدود الورق والفتوى. ففي الظل يمارسون أبشع صنوف القهر ضد نساء اليمن، إذ أدركوا أن السيطرة على نصف المجتمع، هي المدخل لإخضاع النصف الآخر. فالمرأة في اليمن، ليست فردا وحسب، بل هي عرض وسمعة، وبيت كامل يتداعى إن مُس عرضه أو شوهت كرامته.
ولأنهم يدركون هذه الحقيقة فقد جعلوا من المرأة ميدان حربهم الأشد قسوة.. وثقت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات 5282 انتهاكا ارتكبها الحوثيون بحق النساء بين 2017 و2024، توزعت بين اعتقالات تعسفية وتعذيب وتحريض وامتهان جسدي ونفسي. وفي عام 2024 وحده، ضجت الأخبار بقصص ناشطات تعرضن للتعذيب في سجون سرية ووصمن بتهم الفجور، في محاولة خسيسة لكسر أرواحهن وإلزام أسرهن بالصمت المهين.
هكذا صار العار سلاح الحوثي الأخطر. يستخدمونه كسوط يلوحون به في وجوه الأسر، حتى يغدو اسم المرأة سلاحا موجها إلى صدور أهلها. فالأب أو الأخ أو الزوج يفضل أحيانا الصمت على مواجهة تهمة تلقي بظلها الأسود على الأسرة كلها.
ولا يكتفي الحوثيون بالسجون، بل أطلقوا بعض سفهاء وسائل التواصل الاجتماعي لينهشوا أعراض المعارضات، يرمونهن بأقذع الأوصاف ويصبغون عليهن تهما أخلاقية، في سلوك يجمع بين الوضاعة والخسة والجبن.
أما النساء اللواتي لا صوت سياسي لهن فلم يسلمن من قبضة القمع. إذ اعتقل الحوثيون الكثير منهن، ليجعلوا منهن عبرة لمن تفكر في الاعتراض أو رفع الرأس. والزموا الكثير منهن على التوقيع تحت وطأة الترهيب على تعهدات بعدم انتقاد الجماعة، قبل أن يُفرج عنهن، وهن يحملن في صدورهن ندوبا لا تلتئم.
وليس غريبا هذا النهج على جماعة تتوارث فكر الأئمة، من كهوف ثعدة يجرون خلفهم شرائع تُحكم على النساء ستائر الصمت والغياب. فقد أمر الإمام الهادي يوم وطئت قدماه صنعاء النساء أن يلففن أجسادهن بستائر الستر السوداء، وهي ما تُعرف اليوم بالستارة الصنعانية، بعد أن كانت اليمنيات يلبسن الزنة والقميص، ويتلفعن بشرشف ملون يليق بالفرح والأعراس.
لكن التناقض كان دائما سمتهم. ففي قصورهم كانت المغنيات والعازفون يملأون أروقة الحكم بألحان الطرب، بينما يُحرمون على اليمنيين الفرح والغناء. وفي الوقت الذي حُرم فيه التعليم على غالبية اليمنيات، جلب الأئمة المدرسين الأتراك وغيرهم لتعليم بناتهم فنون اللغة والموسيقى والعلوم.
وها هو الحوثي اليوم يعيد إنتاج ذات النهج، يحرص أن تبقى المرأة خارج دائرة الإنتاج، عبئا لا قيمة له إلا بقدر ما يُستخدم لقهر المجتمع وإذلاله.
لكن ما يجهله الحوثي أن المجتمع اليمني لم يعد هو ذاته الذي حكمه الأئمة.. ثمة ثورة صامتة تنمو في ظلال القهر.. كثير من الأسر اليمنية في صنعاء وغيرها، أصبحت تراهن على تعليم بناتها تعليما ذاتيا عبر الإنترنت، حتى أضحت فتيات صغيرات يتقن لغات أجنبية ويحملن معارف شتى، في تحد صامت لسلطة تريد حبسهن خلف الجدران.
تلك هي الحقيقة التي يخشاها الحوثي، أن المرأة اليمنية تخرج اليوم من تحت عباءة الصمت لتغدو صرخة حرية، لا يمكن إخمادها بسياط العار ولا بأسوار السجون.