مخيم السويداء.. حيث قررت المعاناة الإقامة بين الخيام المهترئة
وليد الراجحي
في مخيم السويداء، حيث تخيم المعاناة، والنزوح، في كل خيمة قصة وقصة وألم ووجع، ومعاناة لا تقل وطأتها عن الأخرى.
خلال أسبوع من نزول ميداني إلى عدد من مخيمات النزوح في مأرب، كان أحد وجهاتنا مخيم السويداء الذي يوصف بأن معاناة النازحين فيه، ربما أقل عن غيره من عشرات المخيمات الممتدة في جغرافيا مأرب المحررة.
هناك في مخيم السويداء، إذا رأيت ثم رأيت المعاناة تبدوا وكأنها قررت الإقامة بين تلك الخيام الهزيلة.
أطفال حفاة بملابس تستر عوراتهم وحسب، لا تقيهم حرارة الشمس، ولا تدفع عنهم أدنى نسمة برد، فكيف بموجات برد قارسة تضربهم بلا رحمة.
هنا.. يجثم الوجع والألم على صدر كل حياة تدب في المخيم، ترى بعينيك فيتفطر قلبك، يرتد بصرك كرتين ينقلب ألماً من مشاهد الأطفال، والخيام التي يتخذها الاف الأسر سكنا لها.
مسنون تحت أعواد وأفرع الشجر، بما يسمى "العوشة".. يلج البرد ليهد ما تبقى بهم من قوة، هناك تحت تلك الأعواد المحاطة بالقش، عجوز قد بلغت من الكبر عتيا، علمنا انها من صرواح نزحت بعد أن اجتاح الحوثي قريتها، وباشر في قصف المنازل، وتحت أزيز الرصاص، وكثافة القصف غادرت وأسرتها وتركت كل شيء، حاولنا أن تتحدث معنا لكنها أبت الحديث عن معاناتها، أنفة وخجل.
ما إن امتدت خطانا باتجاه تجمع آخر، كان شابا يقف بجوار خيمته، يصنع قوالب مربعة من الطين، كان أطفاله وزوجته يشاركونه عمله، حينما اقتربنا غادرت المرأة، وبقي الأب وأطفاله منهمكون في صف تلك القوالب، ضمن تدابيرهم لمواجهة البرد.
وعند الصباح، كان مسنًا آخر على باب غرفة بلا "باب" مبنية من الأحجار البركانية الصغيرة، يستقبل أشعة الشمس، اقتربنا منه، مصاب العين، مبتور الأطراف السفلية، جراء لغم حوثي زرع على قارعة الطريق، يعيل ثلاث من أسر أبنائه الذين قتلهم الحوثي.
هناك يفترشون صخور صماء، ويلتحفون أسطح من الطرابيل، لا تحول بينهم وبين البرد المصبوب عليهم صبا، كقطع الليل المظلم، يلامس عظامهم، يطحن كل حياة.
استوقفني طفل لا يتجاوز السابعة من عمره تقريبًا بين عدد من الأطفال، يكبرونه ربما بعام، وقد رسم البرد علامته في وجهه، ويداه تتفطر دما من شدة البرد، يحاول يقاوم الظروف وقساوتها دون أن يعرف سبباً، إلا أن الحوثي هجر أسرته.
أخذنا نشق شتات الخيام في السويداء، ونحو المنحدر، كان طفل في مخيم السويداء بملابس خفيفة، يستقبل أشعة الشمس مع إشراقتها الصباحية، ينتظر أشعتها تمده بالدفيء بعد ليلة شديدة البرد.
قال إنه يعيش مع أمه ظروف قاسية، كان يقف بأقدام حافية على صخور بركانية، عليه اجتيازها إن أراد مغادرة خيمة نزوح أسرته.
خلال جولتي تلك، سألته عن اسمه، فأجاب "مرزوق" ولد من انت سألته؟ أجاب ابن "فلانه" أين اباك؟ وعلى وجهه حسرة، لا توصف قال "قتله الحوثي".
لا معيل ولا جهات مانحة تشفق على الآلاف الأطفال في مخيمات النزوح.
تحدث الكثير ممن التقينا بهم رجال ونساء، إن المعاناة اكبر من أن توصف، وأن الحصول على الكيلو الدقيق، يتطلب عناء، ومكابدة.
وفي طريق العودة كان طفلا في الثامن الأساسي، تحدث لنا، عن الصقيع الملازم له منذ نحو شهر، في الخيمة يستجمع ما يجد من ملابس ليحيط بها نفسه، وفي المدرسة خلف خيام ممزقة، يسلبه البرد القارس القدرة على التركيز وفهم الدروس.
أباء لا يجدون ما يغطون به أطفالهم يقول أحدهم :اذا أردنا النوم وضعت طفلي بيني وبين امهم تحت لحاف واحد.
معاناة مهما حاولنا تجسيدها عبر الحروف والكلمات، لا يمكن أن نصف جزء منها.
تلك صور سريعة من معاناة النازحين في مخيم السويداء، وهو واحد من 208 مخيم في مأرب.