|    English   |    [email protected]

القبيلة والسياسة في اليمن.. قراءة تاريخية في ادراها الحاسمة

الاثنين 10 فبراير 2025 |منذ يوم
توفيق الحميدي

توفيق الحميدي

لعبت القبيلة دورًا محوريًا في تشكيل المشهد السياسي اليمني، سواء بحضورها القوي أو بغيابها المؤثر. فمنذ عقود، كانت القبيلة أحد الفاعلين الرئيسيين في صنع الرؤساء أو دعمهم، مستفيدة من قوتها الاجتماعية، وتحالفاتها الداخلية والخارجية، وأدوارها التقليدية في ضبط التوازنات السياسية.

القبيلة في الصراع بين الجمهورية والملكية

برزت القبيلة كعنصر فاعل في المواجهة بين الجمهوريين والملكيين، حيث شهدت المعارك الكبرى حضورًا قويًا للقبائل اليمنية. 

فمن معركة المقاطرة في تعز حيث كان للقبائل حضور بارز ساهم في إعادة ترتيب التحالفات ، ودور قبائل الزرانيق في الحديدة التي أظهرت قدرتها على هز اركان النظام الامامي ، واثبتت قدرتها  في مواجهة محاولات الهيمنة ، وانتفاضة آل الأحمر في صنعاء التي مثلت خطوة فاصلة أضعفت سلطة الإمامة وأسست لظهور الجمهورية.

حيث بدى واضحا هنا  دوراً مزدوجاً  فهو من ناحية ساهم في تفكيك بنية السلطة الإمامية، ومن ناحية أخرى وضع أسسًا لعلاقة معقدة بين الدولة الوليدة والقبيلة.

القبيلة في عهد الجمهورية

بعد نجاح الثورة الجمهورية، لم يكن حضور القبيلة في السياسة أقل تأثيرًا، بل إنها أصبحت جزءًا من بنية الدولة نفسها. فمن الرئيس القاضي عبد الرحمن الإرياني إلى أحمد الغشيمي ثم علي عبد الله صالح، كان للقبائل دور بارز في وصولهم إلى السلطة، باستثناء فترة الرئيس إبراهيم الحمدي، الذي سعى إلى تقليص نفوذ القبيلة لصالح مشروع الدولة المدنية. لكن هذا التوجه قوبل بمقاومة قوية، وانتهى باغتياله، ما أدى إلى انسحاب مؤقت للقبيلة من مركز صنع القرار السياسي، قبل أن تعود بقوة في عهد صالح.

القبلية في عهد الوحدة 

برز الشيخ الأحمر كرمز يجسد الهوية القبلية المتجددة في إطار الدولة الحديثة، حيث ساهم بشكل فعال في المشاركة البرلمانية. 

1993 و1997 حيث شارك بفعالية في الانتخابات البرلمانية الأولى بعد الوحدة، مبرزًا صوت القبيلة ومطالبها في صياغة السياسات الوطنية.

كما برز هذا التخالف وثيقا في حرب ٩٤ ، ضد الحزب الاشتراكي ، حيث انحازت القبلية الي صف صالح  في المعركة التي انتهت بهزيمة الحزب الاشتراكي ودخول مدينة عدن .

وفي الفترة ما بين ٢٠٠٠-٢٠٠٤ خلال جلسات المداولات التشريعية، كان صوتًا مدافعًا عن حقوق القبائل، مطالبًا بإدراجها في معادلات توزيع القوى داخل الدولة.

وفي الانتخابات الرئاسية انحاز الاحمر الي صالح كمرشح للرأسة اليمنية ، الذي كان يتفاخر بإن الشيخ الاحمر شيخة ، ضد مرشح حزبة المهندس فيصل بن شملان 

القبيلة وسقوط صنعاء.. إعادة تشكيل التحالفات

ظل سؤال القبيلة حاضرًا حتى عشية سقوط صنعاء في 2014، حيث أثار تفجير منزل الشيخ عبد الله الأحمر تساؤلات عن مدى قدرة القبيلة على الصمود أمام تمدد الحوثيين. كان منزل الأحمر رمزًا للقبيلة اليمنية، وتفجيره مثل لحظة فارقة في إعادة تشكيل موازين القوى، إذ أدى إلى انهيار النفوذ القبلي التقليدي في صنعاء، وفتح الطريق أمام الحوثيين للسيطرة على العاصمة.

لكن سقوط صنعاء لم يكن نهاية دور القبيلة، بل شهدت مأرب نهضة قبلية غير مسبوقة. أصبحت “مطارح مأرب” سدًا منيعًا أمام تقدم الحوثيين نحو المحافظة النفطية، حيث تحولت إلى ملاذ للأحزاب السياسية والمعارضين والفارين من سيطرة الحوثيين، في مشهد استثنائي جمع بين القبلية والدولة والمقاومة السياسية.

القبيلة بين المقاومة والتحالفات المتغيرة

في تعز، حيث يبهت الدور التقليدي للقبيلة مقارنة بالمناطق الأخرى، عاد المشايخ والمكونات القبلية للعب دور مهم في كسر الحصار الحوثي من وسط المدينة ، وإن كان دور القبيلة رمزي مقارنة بالقوي المدنية التي انخرطت بالمعركة ، وفي محافظات أخرى مثل حجة والبيضاء وصنعاء، كانت القبائل في صراع مفتوح مع الحوثيين، خاصة مع غياب دور الدولة وعدم فاعلية التحالف العسكري في دعم هذه الجبهات.

هل تعود القبيلة لحسم المعركة؟

اليوم، ومع تصاعد الحديث عن “معركة الحسم”، بعد تصنيف الرئيس الأمريكي الجديد ترامب جماعة الحوثي ، كمنظمة ارهابية دولية ، تعود القبيلة مجددًا إلى الواجهة ، فالتحشيد القبلي في مأرب، وظهور قبائل حاشد وبكيل في مشهد المواجهة، يطرح تساؤلات حول ما إذا كانت هذه التطورات مقدمة لمعركة فاصلة مع الحوثيين، تكون القبيلة رأس حربتها ، بعد فشل القيادات الرئاسية في حسم المعركة  ، خاص مجلس القيادة الرئاسي الذي اصبح مرفوضا شعبيا بسبب سوء ادارته وخروج صراعاته الداخلية للشارع ، خصوصًا بعد التصريحات الأخيرة للشيخ حميد الأحمر من الرياض، والتي حملت إشارات إلى إمكانية اختبار الإرادة القبلية في مواجهة الحوثيين مجددًا.

القبيلة والدولة.. تحالف أم مواجهة؟

تمثل هذه التحولات امتدادًا لتاريخ طويل من العلاقة المعقدة بين القبيلة والدولة. فعلى الرغم من أن القبيلة لطالما كانت عنصرًا فاعلًا في السياسة اليمنية، إلا أن دورها يتغير وفقًا للسياقات والتحالفات. في بعض المراحل، كانت القبيلة حليفًا للدولة، وفي مراحل أخرى شكلت بديلاً عنها أو حتى منافسًا لها. واليوم، يبدو أن القبيلة أمام اختبار جديد، إما أن تعيد تشكيل نفسها كقوة سياسية مؤثرة، تملأ الفراغ الذي بدى واضحة في ظل الضعف والعجز الذي تعاني منه القوي السياسية ، أو أن تظل أداة في يد القوى المتصارعة.

الخاتمة: أي مستقبل للقبيلة في اليمن؟

في ظل المشهد الحالي، تظل القبيلة عاملًا أساسيًا في تحديد مسار الأحداث في اليمن. سواء في إطار الدولة أو خارجها، فإن قدرتها على التأثير لم تتراجع، بل يعاد تشكيلها وفقًا لمقتضيات المرحلة. فهل ستكون القبيلة عاملًا في استعادة التوازن وبناء الدولة، أم أنها ستظل جزءًا من حالة الفوضى والصراع المستمر؟ هذا هو السؤال الذي ستكشفه تطورات المرحلة القادمة.