|    English   |    [email protected]

تعز.. أزمة خدمات أم أزمة قيادة

الثلاثاء 3 يونيو 2025 |منذ يوم
عزالدين عبدالحق

عزالدين عبدالحق

تعز المدينة التي أنهكها الحصار ونحرها الفساد لم تعد قادرة على الصمت في شوارعها التي طالها الجفاف وفي أزقتها المكدسة بالتعب خرجت نساؤها أمس لا طلبًا للغيث بل صرخة في وجه من سرق الماء والكرامة والضمير بينما كانت السلطة المحلية تروّج لصلاة استسقاء دعت إليها وزارة الأوقاف كانت النساء يرفعن رايات الغضب في وجه هذه المهزلة مؤكدات أن الأزمة لم تكن في قلة المطر بل في كثرة اللصوص.

في زمن تُختزل فيه مسؤولية الدولة إلى دعاء وتتوارى فيه السلطة خلف جدران المساجد بدلًا من أن تقف في الشوارع إلى جانب مواطنيها اختارت النساء أن يكنّ الصوت الأعلى خرجن من منازلهن وقد ضاقت عليهن الحياة لا ماء في البيوت ولا ضمير في الإدارات ولا حتى وعد في الأفق خرجن لأن الماء لم ينقطع وحده بل انقطع الأمل أيضًا واختنقت المدينة بما فيها من خذلان.

لم تكن المظاهرات النسائية مجرد احتجاج بل كانت إعلانًا واضحًا أن تعز لم تمت وأن صوت الحياة لا يزال يخرج من حناجر الأمهات من أكتاف العطاش من وجع من يبحثون عن قطرة ماء فلا يجدون إلا الوعود لم تكن النساء يطالبن بالماء فحسب بل بحياة تليق بهن بدولة لا تخون مواطنيها بسلطة لا تتواطأ مع العطش ضد الإنسان.

السلطة المحلية التي تغيب حين يُطلب منها الفعل وتظهر حين يتاح لها التملص اعتقدت أن الدعوة لصلاة الاستسقاء كافية لغسل أيديها من المسؤولية وكأن الماء ينقطع لأن السماء تأخرت لا لأن الأنابيب سرقت والمشاريع عطلت والأموال نُهبت نسيت أو تناست أن الله لا يستجيب لدعاء الظالمين ولا لمن تركوا الناس عطشى وهرعوا إلى التملص بالاستسقاء.

مشهد أمس كان كاشفًا وفاضحًا من جهة مؤسسات رسمية تداري فشلها بأسباب دينية ومن جهة أخرى نساء شجاعات يتقدمن الصفوف يرفعن أصواتهن لا بالشكوى بل بالمطالبة والمحاسبة وفي المنتصف مدينة تُنهكها المآسي من الداخل وتُحاصرها المليشيات من الخارج ويقتلها الفساد من صميم إداراتها.

ما يجري في تعز ليس مجرد أزمة خدمات بل انهيار أخلاقي لمؤسسات الدولة وانكشاف كامل لعجز السلطة المحلية التي أثبتت أنها ليست فقط غير قادرة على الإنقاذ بل غير راغبة فيه أصلًا وما فعلته النساء أمس كان بمثابة استعادة للمبادرة وإعادة تعريف للنضال وإعلان أن من سُلب الماء لن يسكت عن سلب الكرامة.

تعز اليوم لا تحتاج صلاة الاستسقاء بل تحتاج إلى عدالة إلى مساءلة إلى مسؤولين يعرفون أن المناصب تكليف لا تواكل وأن إدارة المدن لا تكون برفع الأكف إلى السماء بل بمدّ الأيدي إلى الأرض لانتشال الناس من العطش والجوع  تحتاج إلى من يسمع صوت المواطن في الميدان لا من يختبئ خلف الخطب والفتاوى.

لقد خرجت نساء تعز لأن من في السلطة لا يستحق البقاء ولأن الصمت بات خيانة خرجن ليقلن إن تعز لم تعد تحتمل وإن العطش لم يعد مجرد انقطاع للماء بل انقطاع لكل ما يُشبه الحياة.