|    English   |    [email protected]

‎تحولات السلطة في عصر الذكاء الاصطناعي.. سياسياً ترامب وماسك نموذج

الاثنين 17 فبراير 2025 |منذ 5 أيام
توفيق الحميدي

توفيق الحميدي

لطالما كان مفهوم السلطة في تطور مستمر، متكيفًا مع التحولات السياسية والاجتماعية والتكنولوجية. في كتابه "تحول السلطة"، ناقش ألفين توفلر انتقال النفوذ من القوة العسكرية إلى الاقتصاد، ومن ثم إلى المعرفة. ومع ذلك، فإن عصرنا الحالي يشهد إعادة تشكيل غير مسبوقة للسلطة، حيث تتلاقى السياسة والتكنولوجيا والإعلام الرقمي لتفرز أنماطًا جديدة من التأثير.

‎من خلال شخصيات مثل دونالد ترامب وإيلون ماسك، وصعود الذكاء الاصطناعي، نشهد تحولات تعيد رسم معالم السلطة، حيث لم يعد النفوذ مقصورًا على الدول أو المؤسسات التقليدية، بل امتد ليشمل الأفراد والمنصات الرقمية والأنظمة الذكية.

‎ترامب والشعبوية الرقمية.. هيمنة الإعلام الجديد

‎لم تعد السياسة محصورة ضمن أروقة الأحزاب والمؤسسات التقليدية، بل باتت وسائل التواصل الاجتماعي ميدانًا رئيسيًا لممارسة السلطة والتأثير. كان دونالد ترامب مثالًا صارخًا على ذلك، حيث استخدم منصة "تويتر" (إكس حاليًا) لتجاوز وسائل الإعلام التقليدية والتواصل المباشر مع أنصاره، مما أدى إلى نشوء ما يُعرف بـ "الشعبوية الرقمية".

‎ساهم هذا التحول في تعزيز تأثير الأفراد على العملية السياسية، حيث أصبح للرأي العام، عبر المنصات الرقمية، قدرة غير مسبوقة على تشكيل المشهد السياسي. لكن في المقابل، أدى الاستخدام المكثف لوسائل التواصل الاجتماعي إلى انتشار واسع للمعلومات المضللة، مما أسهم في ترسيخ مفهوم "ما بعد الحقيقة"، حيث لم تعد الوقائع الموضوعية المحرك الأساسي للنقاش السياسي، بل أصبحت الانطباعات والتوجهات العاطفية هي المحدد الرئيسي للخطاب العام.

‎إيلون ماسك.. نفوذ التكنولوجيا والمال

‎إذا كان ترامب قد جسّد سلطة الإعلام الرقمي، فإن إيلون ماسك يمثل نموذجًا مختلفًا من السلطة، يقوم على الابتكار التكنولوجي والسيطرة على البنية التحتية الرقمية. من خلال شركاته مثل تسلا وسبيس إكس ونيورالينك وستارلينك، أصبح ماسك فاعلًا رئيسيًا في مجالات تؤثر بشكل مباشر على الاقتصاد والسياسة وحتى الأمن القومي.

‎وفي سياق الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2024، لعب ماسك دورًا حاسمًا من خلال دعمه المالي الكبير لحملة ترامب. تشير التقارير إلى أنه أنفق أكثر من 259 مليون دولار عبر لجنة العمل السياسي "America PAC"، ووجّه استثماراته الإعلامية عبر منصته "إكس" للترويج لترامب، مما عزز من وصول رسائل الحملة إلى شرائح واسعة من الناخبين.

‎هذا التدخل يسلط الضوء على مدى التأثير الذي يمكن أن يمارسه رجال الأعمال على العملية الديمقراطية، حيث بات للقطاع التكنولوجي القدرة على توجيه الخطاب السياسي، بل وحتى التحكم في مجرى الانتخابات عبر الخوارزميات والتلاعب بالمحتوى الرقمي.

‎وسائل التواصل الاجتماعي.. إعادة تشكيل القرار السياسي

‎تشير الإحصاءات إلى أن 72% من الناخبين الأمريكيين يعتمدون على وسائل التواصل الاجتماعي كمصدر رئيسي للمعلومات السياسية، مما يجعل تأثيرها في سلوك التصويت غير مسبوق. ورغم أن حملة كامالا هاريس أنفقت 55 مليون دولار على الإعلانات الرقمية خلال ثلاثة أشهر، مقارنة بـ 6 ملايين فقط لحملة ترامب، فإن الدعم غير المباشر الذي حصل عليه ترامب من خلال نشاط مؤيديه وتفاعل ماسك عبر منصته عوّض هذا الفارق، وأظهر كيف يمكن للأفراد ذوي النفوذ أن يحركوا الرأي العام دون الحاجة إلى الإنفاق الضخم على الدعاية التقليدية.

‎الذكاء الاصطناعي.. سلطة ناشئة ومستقبل غامض

‎إلى جانب السلطة السياسية والاقتصادية، يظهر الذكاء الاصطناعي كعامل جديد يعيد تعريف النفوذ. لم يعد الذكاء الاصطناعي مجرد أداة تُستخدم في تحليل البيانات واتخاذ القرارات، بل أصبح لاعبًا رئيسيًا في مجالات تمتد من الإعلام إلى الأمن والاقتصاد. أنظمة مثل ChatGPT والتحليلات التنبؤية أصبحت تؤثر على القرارات البشرية بشكل متزايد، مما يطرح تساؤلات حول إمكانية تحوله إلى سلطة مستقلة بذاتها.

‎تعتمد الحكومات والشركات الكبرى بشكل متزايد على الذكاء الاصطناعي في إدارة الأسواق المالية، وتحليل البيانات الأمنية، وحتى في صياغة السياسات. هذا الاعتماد المتزايد يثير مخاوف من فقدان السيطرة البشرية على الخوارزميات التي تتخذ قرارات بناءً على معادلات معقدة قد لا يفهمها حتى مبرمجوها.

‎خاتمة.. نحو نموذج جديد للسلطة

‎إن التحولات التي يشهدها العالم اليوم تعيد تشكيل مفهوم السلطة، فلم تعد القوة مقتصرة على الحكومات أو المؤسسات التقليدية، بل أصبحت متعددة الأقطاب، حيث يتداخل النفوذ السياسي مع القوة الرقمية والاقتصادية.

‎من ترامب الذي جسّد سلطة الإعلام الرقمي، إلى ماسك الذي يعيد تعريف العلاقة بين التكنولوجيا والسلطة، إلى الذكاء الاصطناعي الذي قد يصبح فاعلًا مستقلًا في المستقبل، نجد أنفسنا أمام نموذج جديد من القوة لا يخضع بالضرورة للأنظمة التقليدية.

‎إذا كان القرن العشرون قد شهد صعود السلطة الاقتصادية، فإن القرن الحادي والعشرين قد يكون قرن السلطة الرقمية والمعرفية. يبقى السؤال الأهم: هل نحن مستعدون لعصر تتجاوز فيه مراكز القوة حدود الإنسان، لتصبح خوارزميات وكيانات رقمية هي الفاعل الرئيسي في المشهد السياسي؟