عن "مظلوم".. و"أزمة" القيادة!

حسين الصوفي
قبل يومين وأنا اتابع الأخبار استوقفني خبرين، وغالب الظن أنه شد انتباهكم أيضا، أحدهما كان في قصر الشعب في العاصمة السورية دمشق، والآخر كان في قصر المعاشيق في العاصمة المؤقتة عدن.
صورة الخبر السوري من قصر الرئاسة في دمشق كان عن توقيع اتفاقية تاريخية قضت بدمج قوات سوريا الديمقراطية في مؤسسات الدولة، في المقابل كانت الصور القادمة من قصر المعاشيق تفصح عن مزيد من التشظي والشقاق بين مؤسسات الدولة نفسها.
وكلاهما يلخصان المشهد هنا وهناك ويضعنا أمام مقارنة واقعية مجردة وشفافة حول القيادة السياسية، إذ أن مصير الدول والشعوب مرتهن بطبيعة التفكير لدى القائد السياسي، والقادة إما أن ينجحوا في قيادة البلد للخروج من أزماته، أو أن يكونوا الأزمة ذاتها، وتلك أم المصائب.
ولو توقفت مليا، وأطلت التفكير في المشهدين لقالا لك كل شيء، كل ما يجول في عقول المواطنين اليمنيين، عن حسرتهم ووجعهم وتضحياتهم التي حولتها القيادة المتأزمة إلى جراح غائرة وانتكاسات سياسية متتالية، ونزيف وطني غزير سببه الوحيد ضيق الأفق السياسي لدى من تصدروا المشهد، وغياب الحس الوطني بالمسؤولية تجاه اليمنيين دولة وأمة.
هل يبدو ما نقول تحاملا ورجما بالغيب، ورميا يالتهم الجزاف؟! قد يتسلءل سائل ويحق له، أم أننا نستند إلى مقارنة واقعية عقلانية مجردة من هوى النفس ونزق السياسة وشخصنة الوقائع؟!
ولأن مسؤولبة الكلمة تلزم كل مدعي ب "البينة"، فبيان مقارنتنا العابرة تتلخص في الاتي:
مظلوم عبدي وصف في وثيقة الاتفاقية السورية بقائد قوات سوريا الديمقراطية، وهذا التوصيف يضع اسئلة جوهرية عن طبيعة قوات قسد!.
وهي، كما يعلم المتابع للشأن السوري، قوات تم تشكيلها على أساس عرقي، أي أنها تمثل حزء من قومية الأكراد في الجغرافية السورية، بمعنى أنها تستند على مرجعية قد تبدو مقبولة في اللعبة السياسية، وهذا الذي حشد لها الدعم الدولي بعيدا عن الموقف الصحيح من هذا الدعم من عدمه، غير أن الجذور القومية كانت الإطار التسويقي لهذا المكون، ومع ذلك فإن مظلوم عبدي نفى نفيا قاطعا في مقابلة صحفية أجرتها معه صحيفة عكاظ السعودية، أن يكون لديهم مطالب انفصالية، وقال بالحرف: " أدبيات قوات سوريا الديمقراطية تنص على الحقاظ على وحدة اراضي سوريا"، وقد أثبت ذلك بالتوقيع التاريخي على اتفاقية دمج قواته في المؤسسات الوطنية السورية.
وللسائل الذي يبحث عن البينة، أن يسأل: ما علاقة هذا باليمن؟!
والجواب هو استدعاء المقارنة ذاتها، هل يمثل عيدروس الزبيدي مكونا عرقيا يستتد إلى قومية تطالب بحقوقها العرقية وتمثيلها في المشهد السياسي؟! أم أن المجلس الانتقالي الجنوبي يعتبر مكونا من عدد من المكونات التي تمثل بعض المنتمين إلى المحافظات الجنوبية، ولم يقل أحد وهو ما ينعكس في الواقع أنه الممثل الوحيد "للجنوب"، وإذا لم يكن كذلك وهو ليس كذلك حقا، فهل المطالب السياسية أيا كان شكلها وجذوها وأهميتها، لا يمكن لعاقل أن يضعها عقبة أمام إننتشال البلد جنوبها وشمالها من مستنقع الاحتلال الايراني البشع وتداعياته التي تهدد كل يوم الوجود اليمني دولة وجغرافيا وهوية ومصير.
ولسنا هنا بصدد الخوض في تفاصيل القضية الجنوبية ومتاهة الوحدة والانفصال، ولن نقبل أن يتم التقليل من القضية الجنوبية أو اختزالها في موقف، أو القفز على الحقائق والمظالم المتراكمة التي رافقت الفعاليات الجنوبية على مر عقود، فهذا يمكن التوقف عنده باستفاضة في موضع آخر، وانما الموضوع الاساسي هنا يتمحور حول المقارنة بين حدثين وقعا بالأمس، بين صورتين واحدة من قصر دمشق واخرى من قصر المعاشيق في عدن.
وبالعودة إلى تلك الصور، فقد وقع مظلوم عبدي على الاتفاق ياعتباره يمثل أحد فصائل المعارضة، وليس باعتباره عضوا في مجلس القيادة، ومضامين التوقيع تمحورت حول دمج قوات هذا المعارض القادم من جذور قومية، لها لغتها الخاصة وهويتها وطبيعة مجتمعها، دمجها في الدولة المركزية وجاهزيتها في الدفاع عن وحدة الاراضي السورية تحت قيادة رئيس الجمهورية وضمن تشكيلات وزارتي الدفاع والداخلية.
كان المعارض الكردي ورئيس قسد يحجز مكانه في التاريخ بنضج تفكيره السياسي وتقديره للحظة التاريخية المفصلية التي تمر بها دولته، وتغليبه للمصلحة الوطنية العليا، والتنازل عن كل الاعتبارات مهما كانت جذورها ودوافعها السياسية أو القومية أالمطلبية، أما المخاطر التي تهدد سيادة الدولة وكيانها ومركزها القانوني ووضعها الجغرافي ووجودها.
وحين تنظر إلى الصورة الأخرى والخبر القادم من قصر المعاشيق، تحدثك التفاصيل عن مغادرة قائد يشغل نائب رئيس الجمهورية، ينتمي إلى القومية الوحيدة التي ينتمي إليها كل مواطن في شعبه، ويتحدث بلغتهم وتجمعهم الهوية نفسها والدين والثقافة ويرزح شعبه تحت احتلال أجنبي يتمثل في الذراع الحوثي الذي ينفذ مشروع حرث الارض الايراني ويمزق الهوية ويهدد العقيدة وينتزع اللقمة من أفواه الجوعى، وارتكب مجازر في حق اليمنيين وفجر منازلهم ودمر مساجدهم ونغص روحانيتهم وعبث بأفكارهم ورهن مصير البلد في يد الولي الفقيه الكهنوت في طهران، غادر هذا القائد السياسي قصر الرئاسة إلى شبوة لاقامة انشطة حزبية ثانوية، بدلا من حرصه على نجاح مجلس القيادة الذي هو جزء منه وانتشال البلد من التهديد الوجودي، والخطر المصيري الذي لم تشهده اليمن على مر التاريخ.
اللحظة الراهنة تقتضي الحديث الشفاف والصريح عن أزمة القيادة التي تصدرت المشهد، وأسئلة الاتفاق السوري تطرح نفسها بقوة على المشهد اليمني، وتلقي بظلالها على واقع الأزمة اليمنية وأزمة قادتها السياسية.
تستدعي اتفاق الرياض، وقرار اعلان نقل السلطة، واليمين الدستورية لنائب الرئيس عيدروس وآفاق القضية الجنوبية وأصدائها داخليا واقليميا ودوليا، وكثير من الفرص التي ضيعها قادة الدولة الرسميون وساسة اللحظة النازفة.
وهي أسئلة قد تجد طريقها للنقاش الجاد والصريح في مقالات قادمة بمشيئة الله.