|    English   |    [email protected]

خيبة أمل كبيرة

الثلاثاء 1 أبريل 2025 |منذ يوم
عبدالمجيد الصلاحي

عبدالمجيد الصلاحي

حين صرخ المتنبي في وجه كافور الأخشيدي: 

عيد بأية حال عدت ياعيد** بما مضى أم بامر فيه تجديد

كانت خيبة الأمل تلتفه، بعد أن وصل سوء الاخشيدي للشجر والحجر، حتى وصل جحوده إلى المتنبي الذي كان مَرْمَق الملوك والأمراء بالعطايا، وحين يكف الأمير خيره عن شخصية كالمتنبي بل يطاله منه السوء، فقد وصل الدرك الأسفل في اللؤم والوضاعة.

خمسة عشر سنة ونحن نخاطب العيد بذات الخطاب، فقدنا أملنا في الفرح والبهجة وفي الفجر والإصباح، مطالعنا كلها غروب ومناسباتنا كلها عزاء. تنهشنا وعود الأماني الحسان بأنياب الغدر والخذلان، وتزعجنا أناقات الساسة واصطفافهم لصلاة العيد، ومعايداتهم التي تشبه تطمينات طبيب فاشل لمصاب بالسرطان ميؤوس من شفائه.

أنا ومثلي الملايين من اليمنيين نعجز عن الضحكة المطمئنة الآمنة ـ الضحكة التي نلقيها في وجوه أطفالنا وأهالينا ونحن على ثقة أننا لهم السند ـ ولولا ماتبقى لنا من الإكبار لكانت الدموع أصدق في التعبير، دموع العاجزين الخائبين المنكسرين.. نطلقها ضحكات لنخفي الأنين وصرخات الغضب.

 قلب اليمن المثقل بالهموم، تتداخل مشاعر خيبة الأمل من كل الجهات؛ من السياسة والسياسيين، ومن الاقتصاد الذي يُروّج له بوعود الإصلاح والتنمية، وصولاً إلى الحلفاء الإقليميين والدوليين الذين لم يكونوا عونًا كما كان متوقعًا، بل أسهموا في تعميق الجراح في أحيان كثيرة. هذا الإحساس العميق بالخيبة لم يعد مجرد شعور عابر، بل أصبح واقعًا نعيشه في تفاصيل حياتنا اليومية.

لطالما كنا وكان الوطن مسرحًا لوعود سياسية تبدو كأنها نسجت من الهواء، تتلاشى قبل أن تتبلور في أفعال ملموسة. السياسيون، الذين كُلفوا بقيادة مستقبل البلاد، بدلاً من أن يكونوا مرشدين للتغيير، أصبحوا رمزًا للجمود والانقسام. أعظم ما ينجزه السياسي وليمة عشاء يدعو لها بعض المثقفين المعارضين ليظهر أنه واسع الصدر رحب الأفق. وفي ثنايا برواز الصورة تظهر الفجوة بين حالهم وحالنا، الفارق المهول ومساحات البذخ ليس على مستوى الماديات بل حتى على مستوى الأمنيات.. أمنياتنا رغيف خبز وإيجار، وأمنياتهم امبراطوريات من كريستال وعقارات وسفريات وجوازات سفر متعددة.

كيف يكون مواطن في عدن مطمئنا ومتفائلا بصيف بارد بلا انقطاع كهرباء؟ كيف يستطيع أن يعد المواطن أولاده بإلحاقهم في الجامعات؟ كيف سيأمن المرضى المزمنون لتوفر العلاج في الصيدليات؟ كيف سيوفي الخاطب وعوده لخطيبته بالزواج السعيد في واقع غير سعيد؟ كيف لمظلوم ومختطف في سجون المليشيا أن يترقب جيش العدالة أن يفك وثاقه؟؟

الأعياد التي يفترض أن تكون مناسبات نبشر بها بالأماني ونطلق فيها الوعود باتت مناسبات للتذكير بالوعود التي لم تتحقق، وبالخوف من الغد أكثر من الأمس. إن هذا التناقض بين المناسبات الاحتفالية والواقع اليومي المرير يرمز إلى الفجوة الكبيرة بين الأمل والواقع، ويعكس مدى التأثر النفسي والاجتماعي الذي نعيشه كيمنيين.

لم نجد من الحلفاء الدعم الذي كنا نامل به. الوعود بدعم سياسي واقتصادي جاءت مصحوبةً بأجندات ومصالح شخصية للدول الكبرى وحتى الدول الصغيرة، مما تركنا في حالة من الضياع والاعتماد المتزايد على حلول داخلية غير كافية. هذه التجارب أثبتت أن العلاقات الدولية لا تُعد دائمًا ضمانًا لاستقرار الدولة، بل قد تكون سلاحًا ذا حدين يفتح آفاقًا جديدة للخيبة.

تظل خيبة الأمل هذه صرخة من أعماق روح وطنية تشتاق للعدالة والشفافية والإصلاح الحقيقي. مايزال الشعب اليمني صامدًا رغم كل التحديات، لكن مع الأيام صبر الناس ينفد وحيلتنا وقدرتنا على التغيير تتضائل، وأخشى ما أخشاه أن نصبح يوما شعبا بلا صمود ولا حيلة.