الحوثيون بين حصار اليمنيين وإستغلال قضية غزة.. تناقضات وتكتيكات سياسية
عبدالجبار سلمان
كان الإنقلاب الذين قاموا به الحوثيون على الحكومة الشرعية في سبتمبر 2014، بداية مسلسل قطع الطرقات وإغلاقها بين المدن والمناطق والمحافظات اليمنية، وإستخدم ملف الطرقات كأوراق ضغط و إبتزاز، وفرض حصار على عدد من المدن اليمنية حيث عانت كلاً من تعز، الحديدة، مأرب، البيضاء، الضالع، والجوف من حصاراً حوثياً خانقاً منذ مايقارب من عشر سنوات. في تعز وتحديداً سبتمبر 2015 قام الحوثي بإنشاء المتارس وحفر الأنفاق ونشر القناصة وزرع الألغام وتحولت المنطقة لحمام دم سقط فيها العديد من الأبرياء وقسمت تعز وأغلقت المنافذ الرئيسية وقطع شريان الحياة وباعد بين الأخوة والأقارب ووضع بينهم جداراً عازلاً أشبة بجدار برلين ! حيث أصبح شرقي تعز الحوبان تحت سيطرة الحوثيين بينما غربها المدينة تحت سيطرة الشرعية.
وفي ظل حصار خانق منع فيه الحوثيين دخول المساعدات الإنسانية والغذائية والدوائية والوقود وقطع الطريق على المسافرين عانت فيه تعز من أسوء أزمة إنسانية على مستوى اليمن. وفي المقابل كان للحديدة وتهامة عموماً نصيب من مسلسل قطع الطرقات حيث عانت تهامة من ويلات الحوثي بشكل مختلف نسبياً، ومع إزدياد حالات الفقر والقتل والتهجير والإخفاء القسري وقطع الطرقات الرئيسية وإذلال أبناء تهامة الذين لاحول لهم ولاقوة، فكان عدم إدخال المساعدات الإنسانية والمواد الغذائية والادوية وخصوصاً المشتقات النفطية سبباً في إنقطاع الكهرباء بشكل مستمر، ومع إرتفاع درجات الحرارة التي تمتاز بها تهامة صيفاً زادت معدلات إصابة الأطفال بالأمراض الجلدية وحالات الاغماء والوفاة. ورغم المناشدات المحلية والدولية لرفع الحصار عن المدنيين إلا أن الحوثي رفض الإستماع لتلك المناشدات وتنصل من جميع الإتفاقيات كعادة الغدر والخيانة التي يتعامل بها مع الجميع، ورفض العمل بإتفاقية الكويت و أستوكهولم ومفاوضات جنيف 1 وجنيف 2 وأخيراً الهدنة الأممية في عام 2022.
ومع أحداث طوفان الأقصى في قطاع غزة 7 أكتوبر، وجد الحوثيون فرصة ذهبية من أجل كسب حاضنة جماهيرية أكبر في اليمن وتلميع صورتهم وتبيض تاريخهم الأسود والتغطية على جرائمهم بحق الشعب اليمني وأيضاً تغير الفكر السائد عنهم لدى الشعوب العربية والإسلامية بأنهم مجرد مليشيا مسلحة إرهابية إلى مقاومة إسلامية ضد دول العدوان والاحتلال الاسرائيلي الامريكي البريطاني. بدأ الحوثيون بعمليات القرصنة البحرية ومهاجمة السفن التجارية في البحر الأحمر والأبيض المتوسط وبحر العرب، وأدعى الحوثيون بأن هذه العمليات هي لأغراض إنسانية لرفع الحصار عن قطاع غزة وإيصال المساعدات الإنسانية لهم، ولكنهم تناسوا وتجاهلوا حصار أبناء شعبهم وقتلهم وتهجيرهم وتفخيخ منازلهم وسجنهم وإعدامهم وإخفائهم قسراً ومنع المساعدات الإنسانية عنهم. نجح الحوثيون إعلامياً وبإستخدام شماعة القضية الفلسطينية في كسب بعض الأصوات المؤيدة لهم عربياً وإسلامياً، رغم كل الانتهاكات التي ارتكبها بحق الشعب اليمني ! مع الأخذ بعين الإعتبار أن هناك
أوجه شبة كثيرة بين الحوثيين وإسرائيل فكلاهما وجهان لعملة واحدة ينتهجان نفس الأسلوب في القتل والحصار والإعدام والإخفاء القسري والقصف العشوائي وتفخيخ المنازل وتهجير السكان.
مؤخراً قام الحوثيون بمبادرات مجبرين منكسرين خاضعين واستجابوا لمطالب المواطنين بعد ضغوطات إقتصادية كبيرة تعرضوا لها من قبل الحكومة الشرعية، المتمثلة بقرارات البنك المركزي اليمني في عدن وقرارات وزارة النقل ووزارة الاتصالات وتقنية المعلومات المتعلقة بنقل مقرات البنوك والمصارف وشركة الطيران اليمنية ووكالات السفر ومقرات شركات الهاتف، ومنع تداول العملة القديمة بعد مرور 60 يوما من تاريخ إصدار القرار.
تجاوب الحوثيون مع مطالب اللواء سلطان العرادة الذي بادر بفتح طريق مأرب صنعاء إيجاباً، وقاموا أيضاً بمبادرة فتح الطريق بين محافظتي البيضاء وأبين من طرفهم، ورضخ الحوثيون أيضاً وفتحوا الطريق الرئيسي في محافظة تعز الرابط بين الحوبان ومدينة تعز والذي يمر في جولة القصر - الكمب بعد مايقارب من عشر سنوات من الحصار المفروض على تعز، وكان صمود أبناء تعز رغم الحصار والقتل دليلاً على أن مشروع المقاومة وصاحب الحق سينتصر على مشروع الظلام مهما طال الزمن. صاحب إفتتاح الطريق النشيد الوطني بدلاً من الصرخة الخمينية وأعلام اليمن بدلاً من شعارات الموت والارهاب والرايات الخضراء العنصرية.
ومع استمرار فتح الطرقات هل سيكون هناك تأثيرات قد تسببها هذه المبادرات تجاه عملية السلام في اليمن ؟ وهل سيتحقق السلام الشامل الذي يبحثون عنه اليمنيين منذ سنوات ؟ وأخيراً لماذا الحوثي فجأة يستجيب لمطالب فتح الطرقات وهو من أغلقها وتعمد عدم فتحها منذ عشر سنوات هل لديه أهداف خفية أم يريد تخفيف الأعباء الاقتصادية ؟