برّان برس | أعد التقرير - علي العقيلي:
مع حلول فصل الخريف، سجلت العاصمة اليمنية صنعاء (شمالي اليمن)، أكثر معدل هطول للأمطار، وشهدت المدينة التاريخية سيولًا وفيضانات مدمّرة، أثارت رعب السكّان الذين يقدر عددهم بنحو 3 ملايين نسمة، وفق إسقاطات العام 2015.
ووسط الأمطار الغزيرة المستمرّة، برزت “سائلة صنعاء” كقناة طبيعية منقذة للمدينة ذات الشوارع الضيقة، والمنازل الهشّة والمتلاصقة، وبالأخص المباني والأسواق التاريخية، المدرجة على قائمة التراث العالمي.
وفي الأيام الماضية، تحدثت تقارير صحفية عن تضرر عشرات المنازل والمباني في مدينة صنعاء، كلّيًّا وجزئيًّا، وسط تحذيرات من أن الكثير من المنازل ما تزال معرضة لخطر الانهيار، خصوصًا في أحياء صنعاء القديمة.
وسط الدور الذي تقوم به “سائلة صنعاء”، في تصريف السيول الكثيفة والمدمّرة، يتساءل كثيرون عن طبيعتها، وأهمية الدور الذي تقوم به، وعن مصير السيول المتدفقة عبرها، وآليات تطويرها لتفادي تأثيرات التغيرات الجوية.
وادي صنعاء
كانت “سائلة صنعاء”، التي يبلغ طولها نحو 3300 متر تقريباً، في الأصل وادٍ يشق المدينة من جنوبها إلى شمالها، ومع تطورها خلال العقود الأخيرة، اختفت ملامح ذلك الوادي تحت الرصيف، والجدران الساندة.
ورغم التطور إلا أن الوادي احتفظ بأهم صفتين أساسيتين للأودية: "الانخفاض عن المحيط، والانحدار في اتجاه واحد"، وهذا وفق خبراء، “سر” قدرة السائلة على الصمود طويلاً، وحماية المدينة المحاطة بالجبال من الغرق.
مع التطوّر والتوسّع العمراني المستمر، باتت “سائلة صنعاء”، ضمن شوارع المدينة، وفي الوقت ذاته تمثّل ممرًا رئيسيًا ووحيدًا لتصريف مياه الأمطار، وسط مخاوف من عدم قابليتها للتوسع أو التطوير لمواجهة تداعيات المناخ المتطرف وغير المستقر.
قناة رئيسية
عن دور “سائلة صنعاء”، قال عضو نقابة المهندسين اليمنيين، “وليد عباس”، لـ“برّان برس”، إن “مشروع السائلة يقوم بدور كبير في تصريف المياه؛ كون السائلة هي القناة الرئيسية في مدينة صنعاء”.
وحول إمكانية تطوير السائلة مستقبلًا، أكّد المهندس عباس، إمكانية ذلك “عبر إضافة قناة سفلية في أرضية السائلة نفسها تسمح بتصريف جزء كبير من السيول المتدفقة فيها”.
وإلى جانب هذا، قال إنه “بالإمكان إضافة قنوات لمجاري السيول من الأحياء الغربية والشرقية لأمانة العاصمة، وتكون ذات سعة تصريف كبيرة للسيول، ويكون مسارها مواز للسائلة لتخفيف الضغط على السائلة المقامة حالياً”.
وأضاف أنه “لا مانع من أن تلتقي بالسائلة نفسها في شمال العاصمة بعد العمل على توسيعها، خاصة في المناطق القابلة للتوسيع والمتوفرة حاليًا في المناطق الشمالية”، مشترطًا أن يكون ذلك “عبر تصاميم دقيقة لتصريف مياه الذروة التي تتدفق على هذه القناة نتيجة الأمطار الغزيرة المتوقعة مستقبلاًˮ.
شرط البقاء
لمواجهة تداعيات التغيرات الجوية، قل المهندس عباس، في حديثه لـ“برّان برس”، إن “صمود واستمرار وبقاء مشروع سائلة صنعاء مستقبلاً، يحتاج إلى عمل صيانة دورية منتظمة، خصوصاً بعد هطول الأمطار الغزيرة”.
وأضاف أن “صيانة ذلك المشروع الهام سهل؛ خاصة أن مكوناته عبارة عن مواد طبيعية من الأحجار وخلافه”.
سر النجاح
وبشأن قدرة السائلة على تصريف السيول في ظل غزارة الأمطار، أوضح المهندس وليد عباس، أن نجاحها “يعود إلى تضاريس صنعاء”، كونها “في الأصل هي سائلة طبيعية قبل قيام مشروعها”.
وقال إن “المياه تنحدر إليها بشكل طبيعي، وهو ما خدم المهندسين المصممين للسائلة وساعد على سرعة إنجازها ونجاحها”.
وتتميز تضاريس أو جغرافيا سائلة صنعاء، بالانخفاض الشديد عن محيطها، وكانت تسمى بـ“سرار صنعاء”. وسرار تعني الوادي المنخفض، أو المجرى المنخفض الذي تتجمع إليه المياه من الأماكن المرتفعة.
ووفق المهندس، فقد “اكتسبت سائلة صنعاء الانخفاض الشديد عن محيطها نتيجة الانحدار الشديد للمناطق التي تمر بها شمال صنعاء، وهو ما ولد حفر مستمر داخل السائلة عند تدفق السيول”.
ومع مرور الزمن تولدا الانخفاض والانحدار الشديدين للسائلة، واللذان أسهما في نجاح ذلك المشروع، وامتلاكه قدرة استيعابية هائلة لم يكن ليمتلكها بقدرات بشرية في مدينة محاطة بالجبال في ظل توسع عمراني مستمر في بلد يفتقر إلى أبسط المقومات لمواجهة مناخ متطرف أغرق مدن وعواصم بلدان متقدمة خذلتها التضاريس”.
مخاطر
رغم تضاريس السائلة، إلا أن المهندس عباس، أشار إلى أن “هناك مخاطر تهدد سائلة صنعاء”، وبالتالي تعرّض المدينة المكتظّة بالسكان للخطر.
وتكمن هذه المخاطر، بحسبه، في “عدم صيانتها بشكل دوري وترميم الأجزاء المتضررة منها خاصة في الجدران الساندة”.
أين تذهب السيول؟
تتجه المياه المتدفقة عبر سائلة صنعاء، شمالًا نحو محافظة الجوف، عبر الوديان الموجودة شمال صنعاء.
حالياً تتدفق مياه السيول عبر “سائلة صنعاء”، إلى وادي “الخارد“ في مديرية أرحب، شمال صنعاء، والذي تجتمع فيه السيول المتدفقة من الأودية المتفرعة من جبال وشعاب صنعاء، وتشق طريقها إلى محافظة الجوف (أقصى شمال البلاد).
وتشير المصادر التاريخية، إلى أن “الخارد”، كان نهراً يشق طريقه من صنعاء، عبر محافظتي الجوف وحضرموت، ويصب في البحر العربي، شرقي اليمن.
وتصل سيول “الخارد”، إلى الأطراف الجنوبية لمحافظة الجوف، حيث تمر عبر مديريات المصلوب والمتون والغيل وصولًا إلى مدينة الحزم (عاصمة المحافظة)، ومن ثم تشق طريقها إلى صحراء مديرية خب الشعف، شرقي المحافظة.
وعبّر المهندس عباس، عن أسفه لعدم الاستفادة من هذه السيول التي تذهب إلى الصحراء، بسبب عدم بناء سدود كبيرة في مسارها لتخزين مياه الأمطار، واستغلالها في الري، ورفع منسوب المياه الجوفية في صنعاء، ومحيطها.
أمطار مستمرة
خلال الساعات الماضية، تداول نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي، مشاهد مصوّرة تظهر تدفق السيول التي وصفت بأنها “غير مسبوقة”، عبر “سائلة صنعاء”، إثر الأمطار الغزيرة والمتواصلة على صنعاء، والمرتفعات المحيطة بها، وتوقفت على إثرها حركة السير في شوارع المدينة لساعات طويلة.
ومنذ مطلع أغسطس/ آب الجاري، تشهد اليمن أمطاراً غزيرة مصحوبة بعواصف رعدية ورياح شديدة، خلفت عشرات الوفيات، وتضرر نحو ربع مليون شخص، خصوصًا من يعيشون في مخيمات النزوح.
والاثنين 19 أغسطس/آب، أشارت الأمم المتحدة، إلى أن المناخ القاسي في اليمن سوف يتواصل حتى سبتمبر/ أيلول المقبل.
ويعاني اليمن ضعفًا شديدًا في البنية التحتية ما جعل تأثيرات السيول تزيد مأساة السكان الذين يشتكون هشاشة الخدمات الأساسية جراء تداعيات حرب أهلية بدأت قبل نحو 10 سنوات.