مأرب.. مهبط هوى كل أحرار اليمن
د. ريم بحيبح
إن ثورة سبتمبر المجيدة التي قام بها آباؤنا وأجدادنا ضد دولة الكهنوت والظلم، وضحى من أجلها أبناء اليمن بالكثير قد احتاجت لمدة تجاوزت الثمان سنوات حتى تستقر أوضاع البلاد من بعد السادس والعشرين من سبتمبر ١٩٦٢م؛ حيث استمر القتال خلال تلك السنوات لأجل تأسيس أركان الجمهورية العربية اليمنية التي دحرت دولة الظلم والتخلف المتوكلية.
هذه الثورة -كانت منذ صغري- محور حديث والدي إلي وإلى إخوتي، وكأنه كان يعلم ما سيحدث لاحقًا من انقلاب على أهداف الجمهورية، ومن تخطيط السلاليين لعودة دولتهم الظالمة، فحفر ثورة سبتمبر المجيدة في ذاكرتنا منذ الصغر. وكم كنا نستمتع بالاستماع لحديثه عن كيف شارك في الثورة واستيلائه على دبابة كانت لجيش الملكية، وحصوله على شهادة تكريم علقها على جدار ديوان منزلنا في صنعاء بجانب صورته حاملًا للجرمل الذي كان سلاحه الوحيد حينها.
هذه الحكايات في الصغر توضح كيف كان ظلم الإمامة التي اتخذت من أبناء مشائخ القبائل اليمنية رهائنًا لضمان ولاء آبائهم للإمام، وقد كان والدي أحد أولئك الرهائن وهو في سن الطفولة دون الثانية عشرة. جعلتنا قصة والدي نعيش تلك الأجواء في مخيلتنا ونقدّر كثيرًا ثورة سبتمبر التي ساوت بين الجميع وسمحت للجميع بالحصول على التعليم والصحة وعلى كافة الحقوق المدنية.
من المفارقات العجيبة أن الانقلاب الحوثي الذي يريد إعادة الحكم السلالي في اليمن، حدث في نفس الشهر الذي كانت فيه الثورة التي أبادت ذلك الحكم قبل عقود، ولم يكن مستغربًا حضور القبيلة حين غابت الدولة، ففي محافظة مأرب أسست قبائل مأرب عدة (مطارح)، والمطرح هو الاسم القبلي للمكان الذي يجتمع فيه أبناء القبيلة ليصبح مركز قيادة لتحركاتهم حين مواجهة العدو، وكان أشهر تلك المطارح (نخلا) والذي كتبت عنه حينها قصيدة أجتزئ منها التالي:
وهدهد عاد بالنبأ الـ
لذي يسقي بنا الأملا
ملوك الأرض ذي صنعا
تقول لفوجكم أهلا
ولولاها مطارحُكم
تصير رمالنا وحلا
وحين تساقطت مدنٌ
وصار قِطافها سهلا
تدافعت الأسود هنا
عـــرين الأُسد في (نخلا)
إن الحوثي الانقلابي أخطأ في حساباته حين ظن الجميع سيخضع له بناء على تفوقه العسكري، لم يكن يعلم أن القبيلة اليمنية التي عرفت معنى حكم الإمامة التي كانت تمتص دماءها بلا هوادة، وتأخذ منها كل خيراتها دون أن تعطيها شيئًا، تلك القبيلة قد وعت الدرس جيدًا. لقد اصطدم التطرف الحوثي المنتفخ بأكاذيب الانتخاب السلالي بالفكر القبلي الذي لا يقبل الخضوع أو الذلة سوى لرب العالمين، وبأن باطن الأرض بكرامة خير من العيش فوقها بذلة.
حين نتأمل تاريخ القبيلة اليمنية نجد فيها من واجه الإمامة منذ القِدَم، فالشيخ علي ناصر القردعي المرادي كان أحد المقاومين العظام للإمام يحيى حميد الدين، وكانت لديه فرقة من المقاومين من أبناء القبائل اليمنية شاركوه في ثورة ١٩٤٨م، ومنهم على سبيل المثال لا الحصر:
الشيخ ناصر العِقال
الشيخ مِحِمِد صالح القردعي
الشيخ علي طالب القردعي
الشيخ علي عبدربه القردعي
الشيخ حسين محمد القردعي ( كان رهينة)
الشيخ محمد سالم نمران
الشيخ عبد الله بن عبد الله بحيبح
الشيخ علي بن علي الذييب الجميلي ( من آل جميل )
الشيخ علي عبدربه الطيارة ( من آل جناح)
الشيخ صالح الضويعن ( من آل حُمُم)
الشيخ أحمد حسين التام
الشيخ ناصر أحمد أبو عشة
الشيخ عبدالله ناصر الأعوش
صعدت مجموعة منهم إلى جبل نُقُم المطل على صنعاء، وقاتلوا حتى سقطت صنعاء بيد الإمام أحمد بن يحيى حميد الدين وهم:
الشيخ علي ناصر القردعي
ناصر العقال
علي عبدربه القردعي
عبدالله بن عبدالله بحيبح
علي بن علي الذييب الجميلي
علي عبدربه الطيارة
حسين محمد القردعي
من هذه الأسماء نعرف أن القبيلة قدمت خيرة أبنائها لمقاومة دولة الظلم والكهنوت منذ القِدَم، فابن القبيلة تطبّع بطباع أرضه وتعلم منها الصبر والجَلَد لمواجهة أقسى الظروف، كما نشأ منذ الصغر على الحرية والكرامة وألا يقبل الضيم أبدًا.
ورث الأبناء والأحفاد كل تلك الصفات من الآباء والأجداد، وجعلوا من مسيرة السابقين نبراسًا لهم، ونبذوا كل خلافاتهم وثاراتهم، واجتمعوا على قلب رجلٍ واحد لمواجهة الانقلاب الحوثي، فكانوا درع الجمهورية وسدًا بجانب سد مأرب؛ حاميًا للوطن ولمكتسبات ثورة السادس والعشرين من سبتمبر، ولقنوا الحوثي درسًا لن ينساه، وهو أن للجمهورية رجالًا لن يضيعوها، وللوطن حماةً لن يسلّموه للكهنوت. لقد مثَّلت مأرب حينها مهبط هوى كل أحرار اليمن، فتوافدوا إليها ليساندوها ولتعينهم، فيتكامل الجميع، ويرسمون الأمل لكل أبناء اليمن على أرض مأرب الحبيبة.