|    English   |    [email protected]

مطارح مأرب.. نواة المقاومة الشعبية وحائط الصد ضد الهجمة الإمامية الحوثية

الاثنين 16 سبتمبر 2024 |منذ شهرين
د. علي سيف مبارك الرمال

د. علي سيف مبارك الرمال

تحل الذكرى العاشرة لتأسيس مطارح مأرب كحدث تاريخي فارق في مسار الحرب التي أشعلتها مليشيا الحوثي ضد اليمنيين، وكمحطة مفصلية أثبتت فيها مأرب ومكوناتها القبلية والعسكرية قدرة اليمنيين على مواجهة التحديات والحفاظ على المكتسبات الوطنية.

حين تأسست مطارح مأرب، كانت البلاد تعيش في لحظة حرجة، حيث كانت الجماعات الحوثية تسعى للانقلاب على الشرعية اليمنية واستعادة النظام الإمامي الذي أُسقط في ثورة 26 سبتمبر 1962، فمأرب، بموقعها الاستراتيجي وتاريخها المقاوم، كانت أمام مسؤولية تاريخية لحماية الجمهورية وإيقاف المد الحوثي، وهو ما جسدته بالفعل حين تحولت إلى جدار منيع ضد هذه الهجمة الارتدادية.

تأسيس مطارح مأرب: البداية وأهمية الحدث
في العام 2014، ومع تقدم الحوثيين نحو العاصمة صنعاء، تجمعت قبائل مأرب والمكونات العسكرية الوطنية في مطارح خاصة، وهي أماكن استراتيجية اتخذتها القبائل لتجمع مقاتليها ومؤازريها، للتصدي لأي هجوم محتمل من الحوثيين، وكانت مطارح مأرب في الأساس منصات تنظيمية وتعبوية لمقاومة زحف الحوثيين على محافظات الشمال والوسط، لكنها تحولت سريعًا إلى خطوط دفاع متقدمة أثبتت قدرتها على الصمود وصد محاولات التمدد الحوثي.

هذا التجمع كان بمثابة إعلان رفض واضح وصريح لأي محاولة لإعادة اليمن إلى عهد الحكم الإمامي. واستندت المطارح إلى البنية القبلية القوية في مأرب والمناطق المحيطة بها، حيث قامت القبائل بتوحيد صفوفها تحت هدف واحد وهو حماية الجمهورية والدفاع عن مكتسبات الثورة اليمنية، ولعبت القيادات القبلية الدور المحوري في هذا التحالف، وقامت بتأمين الدعم اللوجستي والتعبوي الذي استمر لسنوات.

أبعاد ودلالات موقف مأرب

1. التلاحم القبلي والعسكري:


   تأسيس مطارح مأرب كان تعبيرًا واضحًا عن تلاحم غير مسبوق بين القبائل اليمنية ومكونات الجيش الوطني، فجاء هذا التلاحم في وقت حرج للغاية، حيث كان الحوثيون يسيطرون على صنعاء ومحافظات أخرى، ويبدو أنهم في طريقهم لاكتساح البلاد، ومع ذلك، شكلت مأرب حاجزًا صلبًا أمام تقدمهم.
فكانت القيادة القبلية هناك واعية تمامًا لأهمية التصدي لهذا التهديد، واستطاعت من خلال تحالفها مع القوات الوطنية تحقيق معادلة مقاومة فعالة.

2. استراتيجية الدفاع الشعبي:


   لعبت مطارح مأرب دورًا أساسيًا في تطوير مفهوم جديد للدفاع الشعبي. فبدلاً من الاعتماد فقط على القوات العسكرية الرسمية، شكلت القبائل قوة شعبية منظمة استطاعت أن تدافع عن مناطقها بشجاعة. هذه التجربة جعلت من مأرب نموذجًا للمقاومة الشعبية، حيث استطاعت مطارحها تحويل طاقة الغضب الشعبي إلى قوة منظمة فعالة.

3. إحياء القيم الجمهورية:


   مثّلت مأرب بجميع مكوناتها صوتاً عاليًا لرفض العودة إلى الحكم الإمامي، وأعادت إحياء قيم الثورة اليمنية التي قامت في 1962. كان هذا الدفاع المستميت عن الجمهورية تجسيداً حياً لمبادئ الحرية والمساواة التي ناضل اليمنيون من أجلها لعقود. كانت مأرب نقطة التحول التي أكدت أن الجمهورية ما زالت في قلوب اليمنيين، وأن أي محاولة لاستعادة الحكم الإمامي ستكون مكلفة.

4. الدور الاستراتيجي لمأرب:


   لم يكن لموقع مأرب الجغرافي فحسب دور كبير في صد الحوثيين، بل أيضًا لموقعها الاقتصادي حيث تعتبر المحافظة مصدرًا مهماً للطاقة في اليمن. إن الاستيلاء على مأرب كان سيعني سيطرة الحوثيين على موارد البلاد الحيوية. ولذلك، كان الدفاع عن مأرب يعني في الوقت نفسه الدفاع عن مستقبل اليمن الاقتصادي. ساهم هذا في تعزيز عزيمة المقاومين، لأنهم أدركوا أن المعركة تتجاوز البعد العسكري والسياسي لتشمل البعد الاقتصادي أيضًا.

5. دلالات النجاح في إيقاف المد الحوثي:


   نجاح مأرب في الصمود أمام الهجمات الحوثية لم يكن مجرد إنجاز عسكري أو تكتيكي، بل كان نجاحًا سياسيًا ومعنويًا بالغ الأهمية. فلقد أثبت هذا الصمود أن الجماعات الحوثية ليست قوة لا تقهر، وأن القبائل اليمنية قادرة على التصدي لأي قوة خارجية تحاول فرض هيمنتها. هذا النجاح رفع الروح المعنوية لدى الشعب اليمني بأكمله، وأرسل رسالة واضحة بأن الوحدة الوطنية والتمسك بالمبادئ الجمهورية كفيلان بالتصدي لأية محاولة انقلابية.

مأرب والمرحلة اللاحقة: دور قيادي ومستقبلي
بعد مرور عشر سنوات على تأسيس مطارح مأرب، يمكن القول إن دور مأرب تجاوز مجرد المقاومة العسكرية، لتتحول المحافظة إلى رمز وطني جامع. فقد أصبحت مأرب مركزًا سياسيًا واقتصاديًا جديدًا، واستطاعت بفضل تماسكها القبلي والعسكري أن تتحول إلى نقطة انطلاق للمقاومة الشعبية على مستوى البلاد.

لعبت مأرب أيضًا دورًا كبيرًا في إعادة بناء الجيش الوطني، وتقديم الدعم للنازحين الذين فروا من المناطق التي سيطر عليها الحوثيون. كل هذا جعل منها محافظة قائدة ومحورية في مسار الصراع، ويجعل مستقبل اليمن مرتبطاً بشكل وثيق بالقدرة على حماية هذه المحافظة وتوسيع دورها القيادي.

وختامًا..
في الذكرى العاشرة لتأسيس مطارح مأرب، يظل هذا الحدث ملهمًا للأجيال القادمة. فهو يمثل لحظة فارقة في تاريخ اليمن الحديث، حيث أثبت اليمنيون أنهم قادرون على الدفاع عن جمهوريتهم في وجه أي محاولات ارتدادية. مأرب بمكوناتها القبلية والعسكرية كانت وما زالت قلب المقاومة الشعبية، ورمزًا للوحدة الوطنية والتمسك بالمبادئ الجمهورية.