|    English   |    [email protected]

مطارح مأرب.. درس في الوطنية وموقف للتاريخ

الأربعاء 18 سبتمبر 2024 |منذ شهرين
د. أحمد الموساي

د. أحمد الموساي

في مثل هذا اليوم قبل 10 سنوات، كانت قبائل مأرب تتوافد من كل حدب وصوب إلى المطارح، لمواجهة زحف مليشيا الحوثي صوب المحافظة، وكسر محاولتها السيطرة عليها واتخاذها منطلقًا لاستكمال السيطرة على بقيّة المحافظات، مستفيدة من الموقع الجغرافي لمأرب وثرواتها ورمزيتها التاريخية.

لبت جميع القبائل نداء الحرب؛ دفاعًا عن النظام الجمهوري، والهويّة الوطنية، وقيم الحرية والكرامة والمواطنة المتساوية. تسابق شباب القبائل وشيوخها إلى المطارح، رافعين أعلام الجمهورية، مستعدين للتضحية والفداء، دفاعًا عن الأرض والعرض، ورفضًا للأفكار العنصرية والخرافات الكهنوتية القادمة من أدغال التاريخ.

كان على مأرب، بسلطتها المحلية وأجهزتها الأمنية والعسكرية وأحزابها وقبائلها ومكوناتها المدنية، أن تقوم بدورها التاريخي وموقفها الوطني، دفاعًا عن النظام الجمهوري والهوية الوطنية وحماية مصالح الشعب. مستمدّة قوّتها من ماضيها الحضاري، وقدرتها على ردع الغزو عبر التاريخ.

وما يميز تلك المطارح أنها أنشئت بجهود ذاتية، وبإدارة ذاتية، وتموين وتسليح ذاتي من القبائل ذاتها، التي اتحدت تحت راية الوطن، متجاوزة مصالحها وخلافاتها الداخلية، لإدراكها خطورة العدو الذي يستهدف الجميع.

كانت المطارح بمثابة الأمل الأخير للشعب اليمني، الذي صدم وهو يشاهد مليشيا الحوثي المتمرّدة تسقط المدن اليمنية واحدة تلو أخرى دون أي مواجهة حقيقية. وكانت وثبة قبائل مأرب وسلطتها المحلية وأحزابها بمثابة الأمل الأخير بإمكانية المواجهة ومنع الانهيار الشامل للدولة اليمنية.

وقبلها كانت قبائل مأرب قد خاضت مواجهات ضد عدوان المليشيا الحوثية منذ بداية النصف الثاني للعام 2014، واستمرّت الملاحم البطولية حتى بداية العام 2015، قبل تدخل تحالف دعم الشرعية بقيادة المملكة العربية السعودية الشقيقة، ونجحت مأرب في كسر غرور المليشيا الحوثية وأسقطت وهم القوة التي لا تقهر.

وطيلة العقد الماضي من الحرب ضد المشروع الحوثي العنصري، اشترك رجال القبائل في كافة المعارك بمحافظات مأرب والجوف وصنعاء وشبوة والبيضاء، وقدموا مئات الشهداء والمصابين، بما فيهم أغلب قادة المطارح. وفي المقابل، تكبّدت المليشيا الغازية على أطراف مأرب، خسائر بشرية توازي ما تكبّدته في كافة الجبهات بشهادات قادتها. والأهم أن مأرب أسقطت وعود الحوثية وخلفها النظام الإيراني بالإفطار بتمر مأرب. 

لقد كان لاستبسال الأبطال في مأرب، وكسرهم الاندفاعات الأولى لمليشيا الحوثي، الفضل الكبير في حماية مؤسسات الدولة بمأرب، وإحباط المشروع العنصري لإعادة اليمن إلى الماضي البائد، ومخطط إلحاقها بالمشروع الإيراني الطائفي في المنطقة. وأسست هذه الوقفة البطولية لمعركة التحرير الشاملة، ومشروع استعادة الدولة.

ونتذكر هنا موقف السلطة المحلية بقيادة المحافظ المناضل اللواء سلطان بن علي العرادة، الذي كان له دور بارز في توحيد الموقف المحلي، وحشد الجهود وتنسيقها ومساندتها للدفاع عن المحافظة، وحماية المؤسسات العامة.

وقد أكد حينها دعم السلطة المحلية للمطارح، ووقوفها التام إلى جانب رجال القبائل في مواجهة العدوان الحوثي على المحافظة، وأوجز الوضع العام حينها بقوله إن الأمور تخطت السياسة، وإن الموقف أصبح دون الشرف والعرض.

طيلة 10 سنوات، قدّمت مأرب نموذجًا فريدًا لحضور الدولة على مستوى البلاد، وقدرتها على حمايتها، وهو موقف سيخلده التاريخ، ويدرس للأجيال.