مطارح مأرب ..التوثيق والشهادات
بلقيس دحوان
كان شهر سبتمبر مناسبة سنوية للاحتفال بذكرى ثورة ٢٦ فقط، وسيضيف التاريخ والشعب اليمني ذكرى ثانية، هي ذكرى ١٨ سبتمبر بداية مطارح مأرب ٢٠١٤م.
ومع إن بين الحدثين في الواقع أكثر من نصف القرن؛ إلا أن الأسباب نفسها، الدفاع عن اليمن، إنقاذ اليمن دولة وشعبا وتاريخا، التصدي للإماميين والاستمرار في المقاومة ضدهم حتى النصر.
دقت أوتاد المطارح لتثبيت أوتاد الدولة المنهارة، ولتثبيت كرامة الشعب اليمني كافة،
وكان مخيفا ومفزعا أن تأتي الخيانة والردة بعد أكثر من نصف قرن على ثورة سبتمبر؛ ولكنه درس مُر، وقاس لن ينساه الشعب أبدا، وهذا الدرس يجعلنا نطالب ونذكر بضرورة توثيق كل الأحداث وكل ماجرى وكل مايتعلق بالمطارح ومارافقها من أحداث وتفاصيل، فهذا واجب على المعنيين والمختصين أولا، وواجب على أهل مأرب ثانيا، وواجب على الشعب اليمني كله ثالثا.
التوثيق لفكرة المطارح وتنفيذها وتفاصيل كل ذلك؛ توثيقا بالصوت والصورة، وتوثيق المشاركات والأماكن والأحداث والظروف، وكتابة كل الشهادات؛ من شهود العيان ومن البشر، والشجر والحجر.
لابد من توثيق كيف حدثت المعجزات عند انسداد الأفق واقتراب القنوط..
كيف تكون الكرامة والإرادة الحرة أقوى من الجوع والعطش وندرة السلاح ..
توثيق كيف يتوحد الأعداء ويتكاتف الفرقاء، ويجتمع الجميع حين تكون دولتهم على وشك السقوط..
توثيق كيف يمكن أن يتفق القبائل والأفراد والأقوياء والضعفاء والمثقفين والأميون والرجال والنساء والأطفال .. أن يصمدوا وأن يثبتوا وأن يكونوا هم رأس الحربة، وهم الجدار وهم الدرع وهم الحراس والحماية لليمن الحبيب ...لا تراجع مهما كانت التضحيات ..مهما كان الثمن.. وليس في القاموس خيارات أخرى.
فاجأت المطارح الجميع، وأربكت الأطراف الأخرى بقوتها وتفاصيلها؛ إلا أني أظن أن المفاجأة الأكبر هي ظهور القدرات العالية، والبطولات الأسطورية، والمواقف النادرة، سواء للعسكريين السابقين، أو لطلاب الجامعات أو المدنيين عامة ..
ما كان مبهرا هو بطولات كبار السن وبطولات صغار الشباب ...
أما المذهل، فهو مواقف النساء في القرى النائية والأماكن المعزولة، فقد برزن منهن شخصيات ومواقف تبعث الفخر والاعتزاز، فلابد من كتابة شهاداتهن جميعا وتوثيقها، فغزال وفطيم وعليا وهدى والعنود وسارة..و..و.وو، أصبحن في ليلة وضحاها هن مصدر معلومات دقيقة يرصدن تحركات الانقلابيين ويرصدن سلاحهم وعتادهم.
ومزنة وسحر وظبية وعائشة و..و..و...، استعملن الهاتف بطريقة احترافية عجيبة للتبليغ عن كل مايحتاجه رجال المقاومة من أخبار بدون أي لفت للانتباه ..
وصالحة و سمرا وصفية..و .و..و، رفضن الخروج من القرية لأنهن يصنعن الخبز لرجال المقاومة، رغم شدة القصف وخروج الجميع ..
كل العجائز وكل النساء حتى من لا تملك الذهب والفضة .. قدمن أغنامهن بأنفس طيبة؛ لتذبح ويطعم بها من في المطارح، وبعد ذلك من في رؤوس الجبال يحرس البلاد ..
كل النساء كن نماذج مشرفة، أبسط ما يقمن به هو استنهاض الهمم وتحقير ونبذ من باع بلاده وخان دولته ورضي باستعباد أبناء شعبه.
كل النساء فقدن أحباءهن، زوجا أو أخا أو ابنا أو قريبا أو جارا...
كل البيوت تضررت، وكل النفوس مجروحة، لكن الرؤوس عالية بين النجوم، والأقدام ثابتة كالجبال ..
لابد من توثيق ذلك وتوثيق كل الشهادات.