برّان برس| أعد التقرير- إيناس الحميري:
يُعد “وادي الضباب” في مدينة تعز (جنوبي غرب اليمن)، واحدًا من أهم المناطق الطبيعية التي توفر متنفسًا مهمًا لسكان المدينة المكتظة بالسكان، للاستمتاع بالهواء النقي والمناظر الخلابة.
ومع ازدياد توافد الزوار للوادي بدأ ملاك الأراضي بفرض رسوم غير رسمية على دخول المنطقة. وهو ما أثار تساؤلات حول هذا الإجراء، وما إذا كان يمثل استغلالًا أم إجراءً مشروعًا لتنظيم الوصول إلى الموارد الطبيعية.
العديد من السكان قالوا لـ“برّان برس”، إن هذه الرسوم تحد من حرية الوصول إلى الهواء الطلق، وتضع عبئًا ماليًا إضافيًا على المواطنين الذين يبحثون عن مكان للترويح عن أنفسهم وعائلاتهم”.
وأوضحوا أن ملاك الأراضي في الوادي يجبرون الزوار على دفع مبالغ كبيرة تصل إلى 5 آلاف ريال للبقعة الواحدة، مقابل تجربة بسيطة في الطبيعة. موضحين أن المبلغ يزداد في حال كانت الأسرة كبيرة تضم عدّة أفراد.
عبئ إضافي
سارة علي، إحدى زائرات الوادي قالت: “كنت أتطلع لقضاء يوم هادئ مع عائلتي في وادي الضباب، لكننا فوجئنا بضرورة دفع مبلغ مالي لدخول المنطقة”، واصفةً هذا الأمر في حديثها لـ“برّان برس”، بأنه “غير عادل خاصةً أننا لا نجد أماكن طبيعية كافية في تعز.”
أحمد يوسف، أحد زوار الوادي، قال: “دفعنا رسومًا لدخول الوادي، وهذا يشكل عبئًا على العائلات ذات الدخل المحدود.
وأضاف لـ“برّان برس” أن “بعض الزوار لم يتمكنوا من دفع الرسوم وتم طردهم من المكان، مما يجعل من الصعب عليهم الاستمتاع بالطبيعة.”
من جانبها، قالت “فاطمة عبد الله”، أم لثلاثة أطفال، “نعيش في ظروف صعبة بالفعل، والرسوم تجعل من الصعب علينا قضاء وقت ممتع مع العائلة في مكان طبيعي”، مشددة على ضرورة أن يكون هناك “حلول تتيح لنا الوصول دون تحمل أعباء مالية.”
ظروف صعبة
من جهته، أوضح “محمد صالح”، أحد ملاك الأراضي في وادي الضباب، لـ“برّان برس” أن فرض هذه الرسوم جاء نتيجة لعدة عوامل اقتصادية واجتماعية.
وقال: “نعيش في ظروف اقتصادية صعبة، والرسوم التي نفرضها تساعدنا على دعم احتياجاتنا الزراعية والمعيشية. مضيفًا أن “الحفاظ على الوادي يتطلب موارد مالية لا نمتلكها بدون هذا الدعم.”
بدوره، أوضح الباحث في مجال التنمية المستدامة، أحمد سعيد الوحش، أن هذه الرسوم “قد تكون وسيلة لأصحاب الأراضي للاستفادة من تزايد عدد الزوار الذين يتوافدون للاستمتاع بالمناظر الطبيعية”.
وقال “الوحش”، في حديث لـ“برّان برس”، أن “الموارد الطبيعية، مثل أشجار البن والزيتون والمنجا وغيرها في المنطقة، تحتاج إلى حماية من التقطيع، وهذا يتطلب تنظيمًا ماليًا للحفاظ عليها”.
وأضاف أن ازدياد عدد الزوار لوادي الضباب “أمر طبيعي نتيجة للحصار الذي تعاني منه المدينة”، مشيرأ إلى أن السكان قانوا في السابق يذهبون الحديقة العامة وحديقة الحيوان في الحوبان “لكن الآن بسبب الحصار أصبح وادي الضباب هو المتنفس المتاح.”
وتفرض جماعة الحوثي المصنفة على قوائم الإرهاب، حصارًا خانقًا على مدينة تعز الذي تضم نحو 4 ملايين نسمة منذ العام 2015، وتمنع دخول الغذاء والدواء إلى السكان في المدينة رغم المناشدات المحلية والدولية.
آثار وحلول
تبيّن آراء المواطنين، أن تأثيرات الرسوم وآلية فرضها، تتجاوز الجانب المالي لتشمل الجوانب الاجتماعية والاقتصادية بشكل أوسع، حيث تحدث البعض عن تراجع عدد الزوار بسبب الرسوم المفروضة، مما أثر سلبًا على النشاطات التجارية في المنطقة.
فيما تحدث آخرون عن حدوث توتر في العلاقة بين ملاك الأراضي والمجتمع المحلي، حيث يشعر البعض بأنهم يُستغلون لتحقيق مكاسب مالية، بينما يرى آخرون أن هذا الإجراء ضروري للبقاء والاستمرار في النشاط الزراعية.
وعن الحلول المفترضة، شدد الباحث الوحش، في حديثه لـ“برّان برس”، على ضرورة “تحقيق توازن بين فرض الرسوم وحماية البيئة، ولكن يجب أن تكون الرسوم متاحة للجميع”، مؤكدًا أهمّية أن تلعب الحكومة والجهات المعنية “دورًا رئيسيًا في حماية الموارد الطبيعية من الاستغلال غير المنظم”.
وقال: “يجب على السلطة المحلية وضع آلية للرسوم تكون بسيطة ولا تشكل عبئًا على المواطنين، خصوصًا في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة.”
مسؤولية جماعية
في حين يرى ملاك الأراضي أن هذه الرسوم ضرورية لدعم احتياجاتهم والحفاظ على الوادي، يشعر المواطنون بالاستغلال وإجبارهم على دفع مبالغ لدخول منطقة طبيعية كان ينبغي أن تكون متاحة للجميع دون قيود.
وحول هذا، قال الباحث الوحش، إن الحفاظ على توازن بين الاستدامة البيئية والسياحة الداخلية هو مسؤولية الجميع.
وأضاف أن “الحفاظ على البيئة وتنميتها يتطلب تعاوناً مشتركاً بين المجتمع المحلي والسلطات المختصة، بما يضمن حماية الموارد الطبيعية والمساهمة في السياحة الداخلية”. مشددًا على ضرورة “توفير بنية تحتية ملائمة، مثل مناطق مخصصة لجمع النفايات“.
واقترح “الوحش” أن يتم تنظيم المناطق المفتوحة وتأجيرها بشكل منظم. وقال “يجب أن يتفق مكتب السياحة والبيئة على تحديد مساحات مخصصة للاستراحات بعيدًا عن الأشجار الطبيعية لحمايتها من الأضرار.”
وقال في ختام حديثه لـ“بران برس”: “من الضروري إيجاد توازن يضمن حرية الوصول إلى الطبيعة مع مراعاة احتياجات أصحاب الأراضي والمجتمع المحلي بشكل عام”.
ويمتد “وادي الضباب” على مساحة واسعة جنوبي غرب مدينة تعز، ويزدان بالأشجار المثمرة والمزروعات الموسمية التي تضفي عليه مزيجًا من الألوان الطبيعية الجذابة. ويشتهر بأشجاره المتنوعة كالبن والزيتون والمنجا واللوز، ما يجعله منتجعًا ووجهة سياحية محببة للكثيرين.
وإلى جانب الأشجار والمزروعات، يزدان الوادي بشلالات طبيعية كتلك التي توجد في مناطق وادي حناء القريبة، مما يجذب الزوار الباحثين عن الهدوء والاسترخاء بجوار تدفق المياه.
وبالإضافة إلى الشلالات، يعتمد الوادي على آبار المياه الجوفية المنتشرة في أرجائه، التي توفر مصدرًا للمياه العذبة لسكان المنطقة. ومع ذلك، فإن تدفق المياه والشلالات يتأثران بالتغيرات المناخية والمواسم، حيث تكون أكثر قوة في موسم الأمطار وتقل في فصل الجفاف، مما يجعل الخضرة تتفاوت بين الدائمة والموسمية.