رحلة الجمهورية.. من الزبيري إلى الشدادي
عسكر طعيمان
في الذاكرة الشعبية تنمو أحداث وتموت أخرى، تتضرم الحماسات حينا وتخبو حينا، المتتالية التي لا تقف عند حد هي البطولة، لا يمكن لحركة إصلاحية ناهضة أن تستحق بجدارة وصف الثورة إلا برجال الصف الأول من حملة مشاعل الفدائية غير المقيدة بحسابات الصراع، الذين ينهضون في أوقات الانكسار فيحملون الراية بعزيمة وصبر وثبات، يدحرون اليأس ويبعثون الأمل..
نهض الشدادي رحمه الله في مرحلة عصيبة من تاريخ اليمن يصنع ثورة، ينتصر للجمهورية بعد أن اغتالتها السلالة، فحمل الراية مع رفاق دربه فاجتمع حوله الجنود والقادة والمشايخ والقبائل، فكان لهم الأب والأخ والقائد، فصنعوا ثورة عظمى تشكل الحلقة المفقودة لحركة التصحيح التي انجدلت باستشهاد الزبيري.
أعاد الشدادي لليمنيين أمل البعث السبتمبري المجيد.
إن كان من فائدة لغدر السلالة بسبتمبر، فهي أن هذه الجمرة الخبيثة التي عرفت باسم الحوثية، قد أوقدت في قلوب الشعب شعلة سبتمبر من جديد حتى عرف وأيقن ماذا وجد بثورة السادس والعشرين من سبتمبر وماذا فقد بعد محاولة اغتياله في اليوم المشؤوم ال٢١ من سبتمبر... ولولاها لتمادت باليمن مضاعفات الورم السلالي الخبيث الذي ظل كامنا في جسد الشعب والثورة.
ثارت الثورة مجددا وتضاعف الثأر.. إرتقاء عبد الرب الشدادي بعث علي عبدالمغني من جديد.
بين الاثنين تناسخ عجيب.
علي عبدالمغني كالشدادي عانى من قلة المال.. شح الإمكانات.. تشتت الأنصار.. بعض الخيانات.. ثقل الباحثين عن المغنم.. ثبت في أحلك الظروف وثب وثابر حتى ضحى بروحه لتجاوز مرحلة الانكسار الى الانتصار والثورة في أشد احتياجها إليه.
مأرب تصحح سجلها الثوري وتدفن عار الذين امتدت أيديهم لعلي عبدالمغني حين جندهم الجهل لسلالة البغي، فقدّمت الشدادي نسخة ثانية له في الجمهورية الثانية.
بطلا الجمهورية وقرينا التضحية والمكان والزمان استشهدا في مأرب في بداية أكتوبر.
كأن الزبيري يبحث عن الشدادي ورفاقه ويصفهم حين قال في آخر حياته: "إن اليمن لن تسترد كرامتها وعزتها إلا يوم يوجد بينها عشرات من المناضلين على الأقل يرضون بالجوع حتى الموت، وبالسجن حتى نهاية العمر، وبخراب البيوت حتى آخر حجر فيها، ويتقدمون إلى العمل الوطني على أساس النصر أو الموت"، عشرات حين كان الانحراف عن الثورة في بدايته وتضاعف بالآلاف حين وصل نهايته.
قبل ثمانية أعوام رحل القائد الشدادي ولا يزال حزنه يتجدد، وبطولاته تتردد، ومبادئه التي عاش عليها ومات عليها تشكل نبراسا لمن بعده يستضيئون بها في طريق استعادة الجمهورية والحرية والكرامة، رحل مع رفاقه لحياة خالدة وسعادة سرمدية بإذن الله وليبقوا نجوما في سماء اليمن تسير على هديها الأجيال كلما أريد لها الانحراف عن طريق الحرية والكرامة إلى مجاهل الاستبداد والاستعباد، واليمن ولادة بالأبطال الذين سيصرعون البغي ويستعيدون المجد بحول الله وقوته، وإن غدا لناظره قريب.