|    English   |    [email protected]

تزايد انتشار الحميات الفيروسية في تعز وصعوبات صحية واقتصادية تواجه الضحايا (تقرير)

الأحد 27 أكتوبر 2024 |منذ 3 ساعات
بران برس بران برس

أعد التقرير لـ"بران برس"، إيناس الحميري:

تشهد محافظة تعز (جنوبي غرب اليمن)، ارتفاعاً ملحوظاً في حالات الإصابة بالحميات الفيروسية والأمراض المعدية، مما يزيد من الأعباء الصحية والاقتصادية على المواطنين. 

مع تصاعد حمى الضنك، والإسهالات، والتهابات الجهاز التنفسي العلوي، يواجه السكان صعوبة في الحصول على العلاج، وسط ارتفاع كبير في تكاليف الرعاية الصحية.

قصص معاناة

المواطن “صالح محمد”، روى لـ“بران برس”، تجربته مع مرض ابنته البالغة من العمر سبع سنوات قائلًا: "أنا أشتغل عامل بيومي، وأحياناً أجد شغل وأحياناً لا. مرضت بنتي الصغيرة وما قدرت أسعفها، ما عندي فلوس. بالكاد أوفر الأكل والشراب لي ولعائلتي. 

وأضاف: “لما ارتفعت عليها الحرارة، كنت أشربها مهدئات عشان ما تحتاج إسعاف، ولو حصلت على مصروف في اليوم، أشتري ربع دجاجة لعمل مرق لرفع مناعتها”. 

وبعد أسبوع من المعاناة، قال إن ابنته تعافت، إلا أن هذه ليست المرة الأولى التي يواجه فيها مثل هذه الأزمة، حد قوله.

لا يختلف وضع “أم محمد”، كثيراً. قالت لـ“بران برس”، إنها أصيبت بانتكاسة صحية، ولما أجرت فحصًا طبيًا تبيّن أن لديها “حمى فيروسية”.

وبعدها قالت: “أصيب أبنائي وزوجي بنفس الأعراض. حتى ابنتي المتزوجة اتصلت بي تقول إن ابنها مريض بإسهال واضطروا لإسعافه. كلنا بقينا على المغذيات والحقن الطبية”. 

وأضافت: “هذه السنة، لأول مرة أشهد انتشاراً واسعاً للحميات، كان سابقاً يمرض شخص أو اثنين من البيت، لكن هذا العام كلنا مرضنا، وأحياناً في نفس الوقت”.

إحصائيات

تظهر آخر الإحصائيات الصادرة عن مكتب الصحة بتعز، أن حالات الوفاة بوباء الإسهالات المائية الحادة والكوليرا بلغت منذ بداية العام 43 حالة. في حين سجلت المدينة 6,682 إصابة بالكوليرا، منها 781 حالة مؤكدة بالفحص المخبري.

وبالنسبة لحمى الضنك، تم تسجيل 2,542 حالة إصابة منذ بداية العام. كما سُجلت 1,286 حالة إصابة بالحصبة، منها 8 حالات وفاة.

وبحسب إحصائيات الترصيد الوبائي لشهري سبتمبر وأكتوبر، فقد سجلت 1132 حالة حميات في مدينة تعز. ما يؤكد استمرار انتشار هذه الأوبئة.

السبب الرئيس

حول طبيعة الأمراض المنتشرة بمدينة تعز، قال الدكتور مصطفى عبدالغفار، ماجستير باطنية عامة، إن “الحميات الفيروسية الأكثر انتشاراً هي التهابات الجهاز التنفسي العلوي، وحمى الضنك، والإسهالات لدى الأطفال”.

وأضاف أن “الأعراض غالباً ما تكون متداخلة، مما يصعّب التفريق بين الحمى الفيروسية والبكتيرية.” 

وشدد الدكتور مصطفى، على “ضرورة التخلص من تجمعات المياه الراكدة ومكافحة البعوض”، الذي قال إنه “يُعد المسبب الرئيسي لانتشار حمى الضنك”.

ارتفاع التكاليف ونقص الأدوية

وعن أسعار العلاجات، قال الدكتور مصطفى، إنها “مرتفعة بشكل كبير”. مضيفًا أن “أغلب الأسر لا تستطيع تحمل تكاليف العلاج التي تصل إلى 15 ألف ريال يمني للشخص الواحد”. 

نتيجة لذلك، قال إن “بعض الأسر تستبدل العلاجات بطرق تقليدية مثل استخدام الليمون والمهدئات، وهي حلول مؤقتة وليست فعالة دائم”.

وأضاف أنه “رغم وجود صيدلية مجانية داخل مستشفى التعاون في تعز توفر العلاجات الأساسية، إلا أن الكثير من الناس لا يعلمون بها، أو يفضلون عدم الذهاب للمستشفى بسبب ازدحامه بالأمراض”.

تحسن ملحوظ

من جانبه، تحدث مسؤول الإعلام الصحي في مكتب الصحة بتعز، تيسير السامعي، عن تحسن ملحوظ في الأوضاع الصحية مقارنة بالأعوام السابقة. وقال لـ“بران برس”: “شهدنا هذا العام انخفاضاً بأكثر من 50% في عدد حالات الإصابة بحمى الضنك”.

وأوضح المسؤول الصحي، أن هذا التحسن “بفضل الإجراءات المتخذة لمكافحة البعوض الناقل لهذه الحمى، إضافة إلى الجهود التوعوية التي قامت بها إدارة التثقيف الصحي بالتعاون مع المنظمات الدولية والمحلية”. 

ورغم هذا، أقر بأن “التحديات لا تزال كبيرة”. مبينًا أن “المستشفيات تعاني من نقص في الكوادر والمعدات، حيث هناك عجز بنسبة 50% في عدد الأسرّة، ونقص حاد في الأدوية والإمدادات الطبية”.

تحديات مستمرة

عن أسباب انتشار هذه الأوبئة، قال الدكتور مصطفى، إن “انتشار الحمى الفيروسية يرجع إلى الظروف البيئية السيئة، مثل تكدس النفايات والمياه الراكدة، مما يوفر بيئة خصبة لتكاثر البعوض”. 

وأضاف أن “تجمع المياه غير النظيفة والنفايات يساعد على انتشار البعوض الذي ينقل حمى الضنك”. مضيفًا أن “هناك تقصير واضح من الجهات المختصة في تنظيف هذه الأماكن والقيام بحملات رش المبيدات الحشرية”.

فيما قال مدير الترصيد الوبائي بمكتب الصحة- تعز، ياسين عبد الملك، إن “الأمراض المنتشرة حاليًا هي حمى الضنك، والاسهالات، وأمراض الطفولة كالسعال الديكي والحصبة”.
وأضاف أن “هناك إجراءات لتوخي الحذر بالنسبة لأمراض الطفولة”، مؤكدًا أن “اللقاح هو الحل الأمثل لتفادي الأمراض”.
وعن حمى الضنك، قال إنه “مرض فتاك، وليس له إجراء سوى إزالة وردم الحاويات والبؤر التي تقوم بتجميع المياه غير النظيفة”.
وهنا، قال: “يجب على السلطة المحلية، ومكتب الأشغال العامة العمل على هذا الأمر”. وأيضًا قال: “يجب على صندوق النظافة والتحسين رفع القمامة، وإبعادها عن الأماكن السكنية، فهي تعمل على انتشار البعوض المحمل بفيروس حمة الضنك”.
وتوقع ياسين عبد الملك، حدوث زيادة في عدد الإصابة. وقال: “كنا مسبقًا نسجل كل يوم من 6- 7 حالات أما حاليًا فنحن نسجل من 20-30 حالة يوميًا من حمى الضنك، والبعض يدخل بمضاعفات ونقص في الصفائح ويحتاج لدخول العناية والوضع يصبح أكثر خطورة”.
وقال إن “الوضع غير مبشر كون البؤر ما زالت موجودة، والبعوض منتشر والمبيدات الحشرية معدومة والسلطة المحلية لا تستجيب لذلك”.

نصائح للوقاية

بينما تستمر الجهود الفردية والمجتمعية في مكافحة هذه الأوبئة، يؤكد الدكتور مصطفى، أهمية التوعية، داعيًا المواطنين إلى “تجنب الأماكن التي ينتشر فيها البعوض، واستخدام الناموسيات أثناء النوم، وتغطية المياه المخزنة لمنع تكاثر البعوض”. 

كما نصح في حديثه لـ“بران برس”، بـ“العزل الصحي للمصابين بأمراض الجهاز التنفسي العلوي لتجنب نقل العدوى للآخرين”.

من جانبه، شدد مدير الترصد الوبائي بمكتب الصحة بتعز، على أهمية التطعيم للأطفال، خاصة في ظل انتشار أمراض الطفولة كالحصبة والسعال الديكي. وبرأيه فإن “التطعيم هو الحل الأمثل للوقاية من هذه الأمراض، لكن للأسف بعض الأسر لا تقوم بتطعيم أطفالها بسبب الشائعات الخاطئة حول اللقاحات”.

ونصح “من يقومون بتجميع المياه أن يتم تغطيتها؛ لأن المياه المكشوفة تعمل على انتشار البعوض المحملة بالأمراض”. وأيضًا شدد على “التخلص من كل الخردة سواء إطارات أو غيرها لأنها تعمل على تجميع المياه غير النظيفة التي تجمع البعوض”.

وفيما تتواصل معاناة الأسر في تعز مع الأوبئة، يبقى الحل الأساس هو توفير بيئة صحية نظيفة، وضمان حصول الجميع على الرعاية الطبية اللازمة بأسعار معقولة. فالآراء تؤكد أن “الحلول ليست بعيدة، لكنها تحتاج إلى استمرارية وجهود متضافرة”.
 

مواضيع ذات صلة