الوطنية.. بين الواقع والاستغلال السياسي

يحيى محمد الموشكي
عندما تُختزل الوطنية في الولاء لأشخاص بعينهم، أو لأحزاب وجماعات.. حينها تصبح الوطنية منبر وأداه لتحقيق المكاسب السياسية واستغفال الشعوب.
وتعم حالة من الفوضى الاقتصادية.. ووحده المواطن البسيط يدفع ثمنها في عملية استنزاف متواصلة لكل طاقاته وقدراته.. وفي المقابل تتضاعف استثمارات المسؤولين وممتلكاتهم.
ولطالما كان وتر الوطنية هو الأداة السحرية بعد الدين، التي يعزف عليه الساسة على اختلاف الأديان والزمان والمكان لملامسة نخوة الشعوب ودغدغة عواطفهم والدفع بهم نحو مستنقع الصراعات.
فما من مجهود يذكر في توظيف المصطلحات الوطنية والشعارات المنمقة.. غير جوقة من الابواق المتزلفة والذقون الزائفة.. لخداع الشعوب وكسب الولاء وشراء الذمم ان تطلب الامر.
فكل المشاريع الحزبية والطائفية والمناطقية قائمة على مبدأ استغلال العواطف تجاه الدين والوطن.. وهذه حملة يعرف السياسيين معادلاتها وقوانينها الى كونها مضمونة النتائج بالغة الأثر كذلك.
وحين ينصرف العامة لقتال بعضهم البعض تحت مسميات متباينة.. غير أن الدفاع عن الوطن هو ما يدعيه كل طرف أو جماعة.. تعرف انه قد انصرف الساسة من جميع الأطراف لامتصاص ثروات ذلك الوطن ونهب خيراته وتركه ساحة للإملاءات والتدخلات الخارجية.
نعم فقد صارت الوطنية كلمات يلوكها الساسة ثم يبصقون بها متى اقتضت مصالحهم ذلك، غير عابئين بالعوام والوطن والهوية وحجم التضحيات.. إذ لم تكن لهم تضحيات بالأساس وهويتهم لا تتعدى ظلهم،
فالسياسيين يدركون جيدا أن الوطن هو الإيرادات والثروات فقط وأن اتباعهم مجرد وسيلة مؤقته للوصول لتلك المقدرات.. فكان لابد من تعبئتهم وتهجينهم بأنواع الهرطقات وبكل الوسائل.
"كلما كنت أكثر اقناعا ستجد من يقاتل عنك ويضحي من اجلك لتزداد فرص اتساع سلطتك ومعها ثروتك ولن تحتاج افضل من كلمتي الدين والوطن لتوجه الناس حيثما اردت" ولعل هذه الكلمات هي الايمان الوحيد الذي يتمتع به السياسيين أياً كانت توجهاتهم.. والتعبئة هي وسيلة التوجيه الناجعة للتحشيد والتأثير.
فكلما زادت وتيرة التعبئة كلما ازدادت ضبابية المشهد لتعم الفوضى جميع نواحي الحياة وان كان الجانب الاقتصادي هو الهدف الأوحد من تعتيم الصورة.. وبدون ذلك التعتيم والضبابية لا يستطيع دعاة الوطنية تحقيق أهدافهم.. فتلك هي بيئة الصفقات المشبوهة، والعمالة والاختلاسات.
وأصبحت المزايدات بالوطنية لا تختلف كثيرا عن أسواق مزايدات السلع وأصبحت الوطنية مدعاة للاستغلال السياسي بامتياز.. ومعيار الفرق بين ادعياء الوطنية والوطنيين فعلا: هو الأرض والانسان.. فحيث رأيت اعمار الأرض والارتقاء بالإنسان.. أولويات الدول. فلا حاجة لتسأل عن مدى وطنية مسؤوليها.. والعكس صحيح ولنا في معظم بلداننا العربية أوضح الأمثلة.
والحقيقة ان السياسيين في سعيهم لإعادة هندسة المفاهيم وتركيزها بما يتوافق ومصالحهم، أذكوا لدى المواطن التوجس والبحث والتحرر من الحالة الصنمية التي يعيشها لعقود مضت وما زال البعض..
وما هي الوطنية بعين الواقع وعين السياسة؟ ماذا يقصد السياسيين بالوطن؟
وكيف صارت الوطنية مصدراً للتكسب واستغفال الشعوب.؟