|    English   |    [email protected]

هل نحن مع أو ضد ما يقوم به الحوثي تجاه فلسطين؟

الاثنين 10 مارس 2025 |منذ 3 أيام
علي الملاهي

علي الملاهي

من الجيد عندما نتبنى خطاب معين تجاه قضية ما، أن نسأل أنفسنا قبل ذلك، هل نحن حقا نؤمن بما نقوله ؟! 

هذا أمر يجنبك الكثير من الكمائن، ويساعدك على تقصي الخير والصواب في مواقفك. 

ليس لدي مشكلة في القول بأن الخطاب المبني على أن ما يحدث "مسرحية" صار خطابا مستهلكا، ولست بصدد تفنيده ولا إثباته، وقد يكون من الجيد لما أنا بصدد إيضاحه الاعتراف بأن الحوثي أفلح في اسقاط صلاحية هذا الخطاب

فهل هذا يكفي لأن نتقبل مشروعه ؟ 

حسنا؛ دعك من موقفنا الرافض للحوثي باعتباره موقف يمني له مبرراته وأسبابه الكافية والمستقلة والسابقة لما حدث في غزة والبحر، وسابق للتحالف العربي وللاحتلال الإسرائيلي لفلسطين، ويمثل فصل من صراع تاريخي بين اليمني والإمامة ممتد لعشرات القرون، دعك من كل هذا، ولنناقش ما يتعلق بفلسطين وحسب، كما لو أن موقفنا الرافض للانقلاب والإجرام الحوثي مرهون بمدى جديته في استهداف إسرائيل؛ الحوثي يتبنى شعارات المقاومة ويضعك أمام خيارين: 

- إما أن يكون موقفك المساند للحق الفلسطيني مشروطا بأن تتقبل كل جرائمه وتنازل له بحقوقك الأساسية التي لا ينبغي التنازل بها لأي أحد تحت أي مبرر. 

- أو تتخذ موقف سلبي من القضية دفاعا عن حقوقك كإنسان حر يرفض العبودية والتمييز والاستبداد وكل تلك الجنايات بحق الإنسان اليمني التي يقف عليها مشروع الحوثي، لا سيما عندما تكون تحت شعارات التحرر والانتصار للمستضعفين والعدالة والسيادة والحرية والحق، فهي في هذه الحالة؛ جناية بحق حقوقك الأصيلة كحالة فردية، وجناية بحق ما سبق من مفاهيم كمبادئ عامة، كثوابت ومعايير تعرف قيمة الإنسان داخل أي مشروع في أي مكان وزمان، إذ كيف يمكن أن ينطوي مشروع ما؛ على قدر من العدالة إن كان يلغي قيمة الإنسان وحقوقه الطبيعية ويحوله إلى عبد لسلالة بدعوى الحق الإلهي في السلطة !. 

هل ما زلت معي ؟ 

سأوضح الأمر بطريقة أخرى، هناك نوعين من اسناد القضية الفلسطينية: 

الأول انحياز لحق الشعب الفلسطيني وأي شعب آخر في التحرر من الاحتلال ورفع الظلم ورفض التمييز العنصري، وهو موقف يرى فيه الإنسان الغير الفلسطيني دفاعا عن حقوقه هو قبل أن يكون دفاعا عن الفلسطيني، موقف لا يحتاج حتى لغطاء ديني، موقف إنساني أخلاقي مبدأي من سلوك وانتهاك معين. 

وموقف آخر مساند للقضية الفسلطينية ولكن بوصفها قضية تستمد قيمتها وعدالتها من الصنم السلالي، وبما يعني الولاء المطلق له، وما دون ذلك ضلال، كما هو القرآن عندما يصير ضلالا إن لم يكن مقرونا بالولاء لقرنائه !

نتحدث عن موقف يقدم القضية بوصفها  موضوع لا يجوز أن يكون إلا تمظهرا للحق الإلهي المزعوم لعبدالملك الحوثي، لا بوصفها قضية عادلة تشرف من يقف معها بقدر ما يقدم لها وليس العكس، موقف يطالبك بأن تشكره على كل جرائمه بحق اليمنيين بوصفها مقاومة ضد الاحتلال، موقف يقدم كل ما ليس جزءا من المشروع الحوثي، كجزء من المشروع الصيهوني، وهذا أمر يكاد ينجح في إحداث انقسامات في الموقف اليمني الثابت والموحد المساند للقضية الفلسطينية، وهذا ما يسعى له الحوثي والإسرائيلي.. وما لا يريده الفلسطيني. 

يمكن النظر إلى التجسيد المرئي لهذه الحقيقة باستدعاء مشاهد عزاءات حماس وحزب الله، حماس تنعي قادتها كرمز لصمود الشعب ضد الاحتلال، وتقدم تضحياتهم كجزء من قضية مشرفة تكرم من ينتمي إليها، في حين المشاهد الجنائزية لحزب الله هيمنت عليها الرمزية الطائفية، القضية الفلسطينية في مشهد التشييع في الضاحية الجنوبية تحولت إلى خلفية باهتة وقضية هامشية، التشييع كان حفلة نواح مخزية طالبت العالم بالثأر لمقتل حسن نصر الله، وكأن العالم كان قد آمن بولاية نصر الله سرا، المشاهد كانت مربكة وفاضحة وتلخص معضلة المحور مع القضية الفلسطينية. 

المشاهد المخزية التي ظهر بها وفد الحوثي إلى بيروت تؤكد أن مواقف الحوثي في البحر التزام تجاه الولي الفقيه وليس تجاه فلسطين. 

في ملازمه؛ عزا حسين الحوثي أسباب احتلال فلسطين إلى غياب ما يسميهم آل البيت عن قيادة الأمة، وفي الملازم ذاتها حمل عمر ابن الخطاب مسؤولية كل ما حدث ويحدث للأمة من مأسي، رغم أن عمر هو من حرر فلسطين!

لا أريد الحديث عن ملازم الرجل، ولكن أردت أن أقدم لك من مناهجهم المدخل الصحيح الذي يمكنك من فهم معضلة الحوثي مع القضية الفلسطينية بشكل شديد الوضوح. 

الحوثي حتى وإن قصف إسرائيل، هو يحاول تنفيذ ما يشبه عملية سطو على الحق الفلسطيني ليصير ممقوتا بالنسبة لكل أحرار العالم. 

اسناد الحوثي للقضية، يشبه محاولة إعادة هندسة العدالة بحيث يصير لها معنى عكسي لمعناها الطبيعي، وبحيث يصير مفهوم الحرية يعني العبودية، والمساواة تعني التمييز. 

هذا الأمر قد لا ينشغل به الفلسطيني كثيرا، فتركيزه منصب على أي جهد يخفف عنه بطش العدو الذي يواجهه، ولا حتى المصري والكثير من الشعوب التي لم تعايش الحوثي وأشباهه، لكن اليمني والعراقي واللبناني والسوري يفهمون جيدا هذه المفارقة لأنها تعنيهم، فهم الذين يطالبون بالتنازل عن حقوقهم والعيش في ظروف لا تختلف كثيرا عن ظروف الفلسطيني تحت الاحتلال الصهيوني بل في كثير من الأحيان تكون أسوأ، أو سيصنفون كأعضاء في المحور الصهيوني، ويقتلون بدم بارد، ويجرم التعاطف معهم بوصفه تمرد على رغبات الله.