بران برس - وحدة التقارير:
مع حلول شهر رمضان كل عام، تصعد جماعة الحوثي المصنفة عالميًا بقوائم الإرهاب، ممارساتها القمعية تجاه المساجد والمصلّين، محولة الشهر الفضيل من مناسبة روحية لتعزيز التآخي والتسامح إلى ساحة للاستعراض السياسي وفرض الهيمنة الفكرية.
تشمل هذه الانتهاكات: منع صلاة التراويح، واعتقال أئمة المساجد، وفرض خطب دينية طائفية على المجتمع، ما يعكس سياسة ممنهجة تهدف إلى إعادة تشكيل الهوية الوطنية للسكان بما يتناسب مع الأيديولوجية الحوثية.
نموذج مصغّر
منذُ بداية رمضان هذا العام وحتى إعداد هذا التقرير، رصد “بران برس”، 25 انتهاكًا ارتكبتها جماعة الحوثي ضد المساجد وأئمة مساجد ومراكز تحفيظ القرآن في محافظات: إب، وصنعاء، وحجة، وصعدة، والحديدة.
وتنوّعت الانتهاكات بين 16 عملية إغلاق مساجد لإقامتها صلاة تراويح، منها 7 مساجد في صنعاء، و5 مساجد بمحافظة إب، واثنين في محافظة صعدة، إضافة إلى إغلاق مسجد بمحافظة الحديدة، وآخر بمحافظة حجة.
إضافة إلى عمليات إغلاق 4 مراكز تحفيظ القرآن الكريم بمحافظتي إب والحديدة، و5 اعتداءات على أئمة مساجد، اثنين منهم بمحافظة إب، واثنين بصنعاء، وآخر بمحافظة صعدة.
وتجدر الإشارة إلى أن هذه الإحصائية لا تشمل جميع الانتهاكات التي ارتكبها مسلّحو جماعة الحوثي في المناطق الخاضعة لسيطرتهم، وإنما نموذجًا مصغرًا لبعض الحوادث التي تناولتها وسائل الإعلام المحلية.
تداعيات خطيرة
حول هذه الانتهاكات، قال أستاذ علم الاجتماع بجامعة تعز، الدكتور ياسر الصلوي، لـ“بران برس”، إنها تمثل “اعتداءً صارخًا على القيم الدينية والوطنية، ولها تداعيات خطيرة على النسيج الاجتماعي في اليمن”.
ومن أبرز تداعياتها، وفق الدكتور الصلوي، “تفكيك الروابط المجتمعية”، مشيرًا إلى أن الجماعة تسعى من خلال هذه الممارسات إلى “خلق حالة من الانقسام الطائفي داخل المجتمع اليمني، مستبدلة الهوية الإسلامية الجامعة بنسخة مؤدلجة تتناسب مع أجندتها السياسية”.
وأضاف أن هذه الأعمال تقوض الحريات الدينية من خلال فرض الرقابة المشددة على الأنشطة الدينية، وتقييد حرية المصلين، ومنع مظاهر الاحتفاء الديني التي لا تتوافق مع فكر الجماعة من خلال استبدالها خطباء المساجد والعلماء بشخصيات موالية لها، مما يؤدي إلى إفراغ المنابر الدينية من دورها التوعوي المستقل.
وأوضح أن هذه السلوكيات تأتي في سياق استراتيجية مدروسة تهدف إلى ترسيخ سلطة الجماعة وتعزيز نفوذها الديني والاجتماعي، مبينًا أنها تأتي وفق خطة مدروسة تهدف لإضعاف الانتماء الوطني واستبدال الهوية الوطنية بولاء مذهبي مسيّس، مما يعزز حالة الاستقطاب والاحتراب الداخلي.
حرب على شعائر الله
حول شرعية هذه الممارسات، قال الشيخ فتح القدسي، مدير مركز تعليم للعلوم الشرعية بمدينة تعز، إن هذا يتعارض مع قول الله تعالى: “ذلك ومن يعظم حرمات الله فهو خير له عند ربه”، وقوله تعالى: “ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب”.
وأضاف لـ“بران برس”، أن منع الصلاة ليس من تعظيم شعائر الله وإنما من الخطط الشيعية لمنع صلاة التراويح التي سنها النبي عليه الصلاة والسلام، موضحًا أن النبي صلى بأصحابه أيامًا ثم تركها خشية أن تفرض عليهم.
وتابع أن عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- هو من أقام هذه السنن عندما تولى الخلافة، حيث رأى الناس يصلون صلاة التراويح متفرقين فأمر بجمعهم على إمام واحد، وأصبحت سنة للمسلمين إلى اليوم، فيما “الشيعة يرفضونها لكرههم لعمر بن الخطاب”.
مكر عظيم
الشيخ علي القاضي، عضو هيئة علماء اليمن ومفتي تعز، أكّد هو الآخر في حديثه لـ“بران برس”، أن “الشيعة يرفضون هذه السنة لأن من أقامها هو عمر بن الخطاب، وهم غير راضيين عنه”.
وأضاف: “لا يجوز شرعًا منع صلاة التراويح، لأن هذا العمل يدخل في قوله تعالى: "ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها"، معتبرًا منع التراويح “نوع من أنواع السعي في خراب المساجد، وهو من الظلم العظيم”.
واتهم الشيخ القاضي، الحوثيين بـ“إهانة المساجد من خلال جعلها أماكن لمضغ القات، ولبث الخطب التحريضية التي تتماشى مع فكرهم الطائفي”. وقال إنهم “يقومون بنشر عقائد محرفة، ويذرون الرماد على أعين الغافلين وتحريف أصول الدين متبعين منهج الخامنئي”.
وأوضح أن المحاضرات التي يلقونها عبر أئمة المساجد الذين فرضوهم تسعى إلى تقرير العقيدة الرافضية، ومحو عقيدة السنه من أذهان الناس”، معتبرًا هذا مكر عظيم، واستبدال للذي هو أدنى بالذي هو خير.
مقاومة شعبية
رغم حملات القمع الحوثية، إلا أن المواطنين يصرون على إقامة شعائرهم الدينية، وعادةً ما تشهد المساجد مشادات كلامية واشتباكات بالأيدي وأحيانًا بالرصاص، خصوصًا عندما تحاول الجماعة فرض خطبائها على المصلين.
وتداول نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي مشاهد لخروج المصليين من المساجد رفضًا لمحاولات الجماعة فرض خطبائها عليهم، ومحاولات تهديدهم وترهيبهم وإجبارهم على الامتثال لأوامرها وأفكارها المستوردة من إيران.
قال أحمد الجعشني، وهو من أبناء محافظة إب، قال لـ“بران برس”: واجهنا حملات القمع الحوثية وقمنا بأداء صلاة التراويح، لكنهم أرسلوا حملات عسكرية ضدنا وأجبرونا على إيقافها وفرضوا إمام للمسجد يتبعهم، ولكننا قمنا بطرده”.
وأضاف: بعد أن رفضنا الإمام الذي فرضته الجماعة قامت بإرسال حملة عسكرية لفرضه ومحاولة إجبارنا على القبول به لكننا امتنعنا من الذهاب إلى الصلاة في المسجد وفضلنا أن نصلي في منازلنا.
من جانبه، تحدث عبدالرحمن الحبيشي، الذي يسكن في صنعاء، عن صلاة التراويح قبل سيطرة الحوثيين على العاصمة قائلًا: “كنا نفرغ أنفسنا ونذهب إلى المساجد وكلنا شوق لصلاة التراويح، وكانت قلوبنا تهتز سعادة وفرحًا عندما نسمع الامام يتلو القرآن، بل ونعتب على أحدنا إن تخلف عنها”.
وحاليًا قال: ليس بيدنا حيلة غير أداء الصلاة في بيوتنا، وحماية أبنائنا كي لا يتأثروا بالأفكار الحوثية المنحرفة.