|    English   |    [email protected]

الطرقات.. حرب أخرى على اليمنيين

الخميس 20 مارس 2025 |منذ أسبوع
عبدالرزاق قاسم

عبدالرزاق قاسم

بموازاة الصراع المسلح والحرب التي تطحن البلاد منذ 2015  كانت الطرقات ولا تزال جبهة شرسة للحرب على اليمنيين، أستنزفت من أرواحهم ودمائهم أرقاما إضافية إلى جانب ما تحصده الحرب بالسلاح الذي أشعل فتيلها الحوثي بانقلابه الدموي على الدولة والنظام الجمهوري، واجتياحه المسلح للعاصمة وعدد من المحافظات.

ورغم ما شهده هذا الملف من تحلحلا جزئيا في بعض المناطق - قد تكون تعز  الأكثر انجازا مقارنة بغيرها - إلا أنه ما يزال هما مؤرقا للمواطنين المحاصرين بالحرب وتداعياتها من كل اتجاه، المهددين في امنهم وسلامتهم من أكثر من مصدر، والطرقات تشكل إضافة ثقيلة  إلى ما يكابدونه من معاناة منذ نحو عقد كامل جعلت اليمن على رأس قائمة الدول المصنفة كأسوأ بلدان للعيش فيها.

مبادرات وفشل

قبل أكثر من عام؛ انخرط يمنيون كثر في حملة شعبية، جرى فيها تنقلات ولقاءات هنا وهناك بالاطراف المعنية للمطالبة بفتح الطرقات المغلقة منذ بداية الحرب التي اندلعت إثر الانقلاب الحوثي قبل نحو عقد.

الحملة حظيت بتجاوب واسع من مختلف الشرائح والقطاعات المجتمعية، موجهين الدعوة، لجميع الأطراف التي تسيطر على الطرقات وتتمركز قواتها على جنباتها لفتحها كلا من جهته، وظلت الحملة تتصاعد تدريجياً حتى خرجت للعلن بشكل فعال، متخذة من مواقع السوشل ميديا منصة للتعبير عن مطالبها وإيصال صوتها، لتحظى بعدها بتفاعلاً واسعاً في أوساط الكثير من رواد التواصل الإجتماعي، باعتبارها قضية تؤرق الجميع بغض النظر عن الانتماءات، وبعد معاناة كبيرة ومآسٍ لا حصر لها نتيجة لجوء المسافرين إلى طرق بديلة غير مؤهلة في أغلبها، كبديل رابط بين المدن والمحافظات، وللوصول إلى المعابر الحدودية مع دول الجوار.

من بين كل الطرق تبرز طريق صنعاء الفرضة مأرب الذي تحول إلى خط دولي وحيد بعد إغلاق منفذ حرض الحدوي مع المملكة العربية السعودية عام 2015 ليصبح منفذ الوديعة هو الميناء البري الرئيس الذي يربط اليمن مع الخارج والسعودية على وجه التحديد المتواجد فيها نحو أربعة ملايين مغترب يمني، يتردد الآلاف منهم يوميا على الطريق بين الإياب إلى ديارهم وأهاليهم أو ذهابا للغربة، فضلا عن المعتمرين والحجاج وشاحنات نقل الصادرات والواردات من البضائع والمنتجات.

كما أن الطريق هو نفسه الموصل إلى محافظة المهرة التي يتواجد فيها منفذ بري آخر مع سلطنة عمان بلغت احصائية المسافرين من خلاله نحو مليون مسافر بحسب احصائيات رسمية للعام 2022م

وعلى أهمية هذا الطريق الحيوي يضطر المسافرون لقطع ما يقارب 200 كيلو متر من مسافته عبر صحراء الجوف كبديل اضطراري غير معبد أو مهيأ للعبور فيه، بعد اغلاق المسار الرئيس للطريق في منطقة مفرق الجوف على بعد نحو 70 كيلو متر من العاصمة صنعاء.

مبادرة العرادة وتعنت الحوثي

 في الثاني والعشرين من فبراير العام الماضي أعلن عضو مجلس القيادة الرئاسي محافظ مأرب عن مبادرة من جانب واحد لفتح طريق الفرضة باعتباره الأقرب والطريق الرئيس الذي يربط صنعاء بمأرب وعبرها إلى المحافظات الشرقية، غير أن جماعة الحوثي ومن خلال قيادات رفيعة وفيما بدا موقفاً رسمياً أعلنت رفضها المبادرة، وقالت على لسان محمد علي الحوثي أنهم على استعداد لفتح طريق آخر يربط العاصمة بمارب، وهو الطريق المعروف بخط خولان صرواح، لكن وكما يقول الشيخ أحمد القاضي - أحد مشائخ خولان - إحدى المناطق التي يمر عبرها فإن الخط غير صالح لمرور جميع الشاحنات الكبيرة، وكشف عن انجرافات تعرض لها بسبب السيول قبل سنوات أخرجته عن الجاهزية، فضلا عن مشكلة رئيسية في تصميمه الهندسي في بعض المنعطفات وبالتحديد في نقيل الوتدة يجعل من مرور الشاحنات وباصات النقل الجماعي أمر صعب في هذه المنطقة.

تحايل يبقى المشكلة

مبادرة العرادة وضعت جماعة الحوثي في موقف محرج، خصوصا أنها حاولت إعلاميا التموضع إلى جانب الحملة الشعبية المطالبة بفتح الطرقات، باعتبارها داعمة لها وموافقة على فتح كل الطرقات من جانبها، وتصوير المشكلة بأنها تكمن في رفض الطرف الآخر ( الشرعية).

ولأن المبررات التي ساقتها في رفضها لمبادرة العرادة بفتح طريق الفرضة لم تكن مقنعة البتة، فقد أضطرت، تحت ضغط مبادرة جديدة قادها ناشطون في الحملة للموافقة على فتح طريق أخرى تربط صنعاء بمارب عبر ذمار - البيضاء - مراد. 

الاستجابة الحوثية هذه  لم تأتي إلا بعد اشهر من انطلاق المبادرة الجديدة؛ ونتيجة تحرك قافلة شعبية من إب قادها عمر الضيعة، وعدد من رموز الحملة، وبقاءهم في ما يشبه الحجز لمدة أسبوع في منطقة قانية بعد منعهم من مواصلة مسيرتهم، قبل أن تأتي الموافقة الحوثية على اطلاقهم وبالتالي على المبادرة الجديدة بفتح الطريق المذكور البالغ طوله قرابة 450 كيلو متر يتخللها مسافة وعرة غير معبدة في منطقة المناقل بمديرية ماهلية مراد.

ورغم نجاح هذه المبادرة واستمرار فتحه حتى الآن، إلا أنه في الواقع لم يحل مشكلة إغلاق طريق الفرضة، كما يرى عبدالجليل الصعفاني- مغترب في السعودية - كون المسافة البديلة طويلة مقارنة بالبديل السابق (طريق الصحراء في الجوف) ، وربما مثًّل هذا البديل الجديد ( طريق مارب البيضاء ) حلاً جزئياً للمتجهين إلى المحافظات الواقعة جنوب صنعاء والواقعة تحت سيطرة الحوثي أو القادمين منها.

أما بالنسبة لسكان العاصمة ومحافظات صنعاء والجوف وعمران وصعدة وحجة والمحويت والحديدة وريمة ما يزال أغلبهم يسلك طريق الصحراء كونه أقرب مقارنة بطريق البيضاء ولا يحظى هذا الأخير بفوارق كبيره وامتيازات تغريهم على سلوكه بدلا عن الصحراء.

تعز الأكثر تضررا

وسط الجدل المحتدم بشأن الطرقات ينظر إلى محافظة تعز والمدينة المكتظة بالسكان بشكل خاص بأنها الأكثر تضرراً من قطع الطرقات، ويعاني قاطنيها من صعوبات بالغة في التنقل منها وإليها، والحال مثله مع البضائع وحركة النقل التجاري، وبسبب إغلاق طريق الحوبان الذي يعد الشريان الرئيس لتعز، منذ 2015 عندما تحولت إلى منطقة لقيادة القوات العسكرية المشاركة في الحرب والهجوم الحوثي على تعز، ومنطقة تحشيد عسكري، عاشت تعز حصاراً مطبقاً من كل الجهات قبل أن يتم فتح طريق وحيد يربطها بمحيطها يتم عبره نقل الإمدادات الغذائية والاحتياجات الإنسانية، وهو الطريق المعروف بطريق الكدحة المتجه عبر الجنوب الغربي للمحافظة إلى مدينة التربة ومنها إلى مدينة عدن، ولا يزال حتى الآن المنفذ الوحيد المعتمدة عليه تعز في امدادتها الغذائية والصحية باستثاء طريق آخر يتفرع منه يربط المدينة بمنطقة المخاء الساحلية التابعة للمحافظة لا يشكل أهمية كبيرة مقارنة بطريق التربة.

في الثامن والعشرين من فبراير العام الماضي كانت السلطة المحلية في محافظة تعز التابعة للحكومة المعترف بها دولياً قد أعلنت عن فتح طريق فرزة صنعاء عقبة منيف الحوبان من جانبها، وهو خط يربط وسط المدينة بطرفها الشرقي المعروف بإسم الحوبان، ولا يتعدى طوله عشرون كيلو متر، داعية الحوثي في نفس الوقت لفتحه من جانبه، بعد اغلاقه من قبله بداية الحرب في 2015 عندما قرر فرض الحصار على مدينة تعز، وبعد تحويل الحوبان الى مركز لعملياته العسكرية ومقرا لقيادة مليشياته المكلفة بالحرب على تعز وعدد من المحافظات المجاورة، والمعروفة في هيكله بإسم المنطقة العسكرية الرابعة.

تجاهل ورضوخ

 في البداية كانت جماعة الحوثي قد تجاهلت الخطوة التي قامت بها سلطة تعز، وأعلنت في نفس اليوم عن خطوة أخرى بفتح طريق يربط الجنوب الشرقي لمحافظة تعز بمحافظة لحج، وهو طريق قديم كان يربط بين الشطرين اليمنيين الجنوبي والشمالي، وأصبح بعد الوحدة الطريق الرئيس الرابط بين عدن وتعز، وهذه الخطوة الحوثية كما يصفها الصحفي ياسين العقلاني في أحد منشوراته على منصة فيسبوك لا تفك الحصار المفروض على تعز المدينة التي يقطنها قرابة اثنين مليون مواطن، وإنما تفتح متنفساً للمديريات الجنوبية الشرقية للمحافظة للاتصال مع محافظة لحج، ويحتاج المسافر إلى تعز المدينة عبر الجهة الشرقية منها لسلوك نفس الطريق البديل عن الطريق المقطوع في الحوبان.

وفي 7  يوليو العام الماضي بعد قرابة أربعة أشهر من رفص مبادرة سلطة تعز المحلية، وتحت ضغط شعبي متواصل وافق الحوثي على فتح جزئي - زمنياً - للطريق الذي كان السكان من خلاله يقطعون المسافة بين وسط المدينة والحوبان في ظرف 20 دقيقة كما يقول الصحفي العقلاني على أكثر تقدير، ليجدوا أنفسهم بعد إغلاقه مجبرين على عبور طريق ترابي آخر، يمتد لما يزيد عن ستين كيلو، يشكو الأهالي من وعورته التي تأخذ ما يزيد عن سبع ساعات للتنقل بين وسط المدينة الذي تسيطر عليه قوات الجيش الوطني التابع للحكومة المعترف بها دوليا، وبين الطرف الشرقي للمدينة في منطقة الحوبان الخاضع لسيطرة الحوثي.

تعثر واتهامات

 في لقاء جمعه العام الماضي مع عدد من الصحفيين والإعلاميين المنتمين للمحافظات الجنوبية قال عيدروس الزبيدي عضو مجلس القيادة اليمني ورئيس المجلس الإنتقالي الجنوبي المطالب بالإنفصال أن فتح طريق إب الضالع أمر مرفوض، وفقا لما نشره يومها إعلامي وأكاديمي حضر اللقاء، وقال الصحفي عبدالرحمن أنيس الذي يعمل أيضاً مدرساً في كلية الإعلام بجامعة عدن أن الزُبيدي أكد رفض الخطوة التي قامت بها جماعة الحوثي في محافظة الضالع، وهو ما أكدته فضائية عدن المستقلة التابعة للمجلس الانتقالي، في خبر منسوب لهيئة رئاسة المجلس الإنتقالي، وأضافت أن فتح المعابر ( في إشارة إلى حدود شطرية) والطرقات يجب أن يتم وفق تفاهمات مسبقة، وآليات واضحة بإشراف أممي، وفقا لخارطة الحل السياسي الموضوعة حينها على الطاولة بعد إعلانها من قبل المبعوث الأممي أواخر 2023.

في تلك الفترة كانت جماعة الحوثي قد أعلنت عن تشكيل لجنة عليا من طرفها من عدد من قياداتها بينهم وزير جنوبي في حكومتها ومحافظ ومجموعة من القيادات الميدانية بالإضافة إلى عدد من وجهاء المحافظة للقيام بمهمة فتح طريق إب - الضالع - من الجانب الذي تسيطر عليه المليشيا المسلحة التابعة للحوثي في جبهة مريس التابعة لمديرية قعطبة، وفي نفس اليوم الذي قالت ان اللجنة انتقلت إلى الطريق أعلنت تعرضها لإطلاق نار، وبعد ساعات بررت مصادر إعلامية مقربة من الحكومة الشرعية والمجلس الإنتقالي بأن الخطوة الحوثية لم تتم بالتنسيق مع القوات المشتركة المتمركزة في الجبهة والتي تتبع الحكومة المعترف بها دولياً.

مآسٍ لا تتوقف

 لا يوجد احصائية دقيقة بضحاياها، لكنها كثيرة المآسي التي خلفتها حرب الطرقات على اليمنيين، وربما لا يكاد يمر اسبوع دون أن يُسمع فيه عن حادث وضحايا في هذه الطريق أو تلك، لعل أبرزها مآساة الثالث من رمضان في العام الماضي، بالتزامن مع مشكلة فتح طريق الضالع وتبادل إطلاق النار، حيث شهدت صحراء الجوف حادثا مروريا بعد تصادم سيارة هايلوكس مع سيارة لاند كروزر ( شاص)، أسفر عن وفاة أربعة عشر مواطنا، وهم جميع من كانوا على متن السيارتين.

هذه الصحراء الخالية التي تحولت في زمن الحرب إلى طريق دولي لليمنيين كانت قد أصبحت خلال السنوات الماضية مسرحا لكثير من حوادث السير راح ضحيتها العشرات، كما أن مسافرون كُثر تعرضوا فيها للعديد من جرائم التقطع والنهب تحت من قبل مسلحون متقطعين لم تتمكن أي جهة من القبض عليهم.

وعلى طول السنين التي شهدت حركة نشطة في هذه الطرقات البديلة كانت المآس تباغت المسافرين، والحوادث المرورية في تزايد وارتفاع، مسجلة أرقاما وضحايا أكثر مما كان سابقا أثناء ما كانت الطرقات الرئيسية مفتوحة امام المسافرين.

والسبب هنا ليس مجهولا، ومعروف للجميع، إذ أن الطرقات البديلة ليست مؤهلة لتكون طريق يمر منها مئات السيارات والشاحنات يومياً وعشرات الآلاف من البشر، فهي في أغلبها طرق ترابية ووعرة أو صحراوية غير معبدة بالمطلق، أو مسفلتة مضى عليها عقود من الشق والتجهيز، ولم تحظَ بأي صيانة حتى في فترات ما قبل الحرب، ما أدى في النهاية لتكون مصيدة للأرواح يأتي إليها المواطنون مرغمين.

حل في الحلحل

اليوم وبمبادرة محلية قادها عدد من وجهاء محافظتي البيضاء وأبين تم الإعلان من طرف الشرعية - سبقه إعلان حوثي- عن فتح طريق آخر لا يقل أهمية عن غيره، كونه يربط أكثر من محافظة ببعضها، وهو طريق البيضاء مكيراس أبين ومن ثم عدن أو شرقا باتجاه حضرموت والمهرة.

والطريق هو واحد من ثلاث طرقات رئيسية يربط محافظات الشمال والوسط بمحافظة عدن، بالاضافة الى كونه طريق رئيسية لمحافظة أبين واجزاء من يافع وغرب شبوة باتجاه البيضاء والمناطق المذكورة سابقاً.

وبحسب جمال محنف - ناشط اجتماعي في مديرية لودر -  فالطريق أكثر أهمية لمحافظتي البيضاء وأبين المتداخلتين مع بعضهما إقتصادياً ومعيشياً واجتماعياً.
واضاف لك أن تتصور أن المقيم في مدينة مكيراس إذا أراد الانتقال بشكل آمن لمدينة لودر المجاورة والمرتبطتان ببعض اجتماعياً وقبلياً وبالتأكيد سكانياً وأسرياً، والتي لا تبعد عنها عشرين كيلو، كان يحتاج لقطع مسافة تقارب 700 كيلو للوصول إليها، دائراً في ما يشبه الجهات الأربع للبلاد من الشرق إلى الغرب إلى الجنوب إلى الشمال ومروراً بثلث محافظات الجمهورية تقريباً.