|    English   |    [email protected]

التكافل في المجتمع المأربي.. منظومة قيمية متوارثة تتجلى خلال رمضان (تقرير)

الخميس 20 مارس 2025 |منذ 3 أيام
التكافل في المجتمع المأربي.. منظومة قيمية متوارثة تتجلى خلال رمضان (تقرير) التكافل في المجتمع المأربي.. منظومة قيمية متوارثة تتجلى خلال رمضان (تقرير)

أعد التقرير لـ"بران برس" - أمة الغفور السريحي:

مع حلول شهر رمضان المبارك، تظهر إلى الواجهة صور التكافل المجتمعية، وتجد الكثير من الأسر الفقيرة ومتوسطة الدخل بعضًا من احتياجاتها الملحّة مع استمرار الأزمة الإنسانية وارتفاع معدلات الفقر والبطالة في عموم اليمن.

وتأتي محافظة مأرب (شمالي شرق اليمن)، في مقدمة المحافظات اليمنية التي تتجلى فيها صور التكافل والتعاون المجتمعي، خصوصًا وهي تضم نحو ثلثي النازحين في البلاد، الذين تقدر الأمم المتحدة أفرادها بنحو 4,5 مليون نازح. 

وتظهر صور التكافل والتعاون من خلال العادات والتقاليد والمبادرات المجتمعية، والتي تعكس في مجملها منظومة القيم الإنسانية والاجتماعية التي من شأنها تلبية حاجة الفقراء والمعسرين وتعزيز قيم الأمن والسلام.

منظومة قيم

الباحث في التراث المأربي، مسعد عكيزان، قال إن المجتمع المأربي يتميز “بمنظومة من القيم الاجتماعية والعادات والتقاليد والأعراف التي تشكل في مجملها هويته وثقافته المحلية”. مضيفًا لـ“بران برس”، أن هذه القيم “يفخر بها الجميع، كونها تعكس وجهاً مشرقاً لمجتمع لا يزال يحتفظ حتى اليوم بهذه المنظومة التي تستقي مفرداتها من الثقافة العربية القديمة”.

ومن أبرز القيم التي تتجلى بقوة في المجتمع المأربي، وفق الباحث عكيزان، “قيمة التكافل الاجتماعي والتعاون بين أفراد المجتمع”، موضحًا أن هذا “تجسد بوضوح في المرحلة الراهنة، حيث أظهر أنه مجتمع مضياف”. مضيفًا أن المجتمع المأرب “يمتاز بإغاثة الملهوف ونصرة المظلوم”.

نماذج للتكافل والتعاون

هناك عادات وتقاليد مأربية مرتبطة بشهر رمضان، ومنها: “إقامة الإفطار الجماعي في المساجد بجلب الطعام من المنازل حسب القدرة، والاجتماع على الإفطار في المسجد”. من خلال هذه العادة، وفق عكيزان، “يتسنى لعابر السبيل أن يجد الإفطار دون أن يثقل على أحد، هذا خلافًا عن تلقف الناس للغريب وعابر السبيل لإضافته وكسب أجر إفطار الصائم”.

وإضافة إلى ذلك، قال إن “بعض التجار يحرصون على إخراج زكاتهم في رمضان وتوزيعها على المحتاجين، مما يخفف من وطأة تكاليف مصاريف هذا الشهر، وهو ما يعكس صورة واضحة من صور التكافل الاجتماعي التي تستحق الإشادة”.

من جانبه، ذكر الناشط المجتمعي، زكريا البحري، صورًا عديدة للتعاون والتكافل المجتمعي بمأرب خلال رمضان، ومنها توزيع الوجبات على المحتاجين، وحملات التبرعات المالية لدعم الأسر الفقيرة، وكذا إعانة السجناء المعسرين الذين عليهم مبالغ مالية. موضحًا أنه خلال العام الماضي، أفرج عن قرابة ٣٤ سجيناً في رمضان بمبادرة نفذها أحد الناشطين النازحين في مواقع التواصل الاجتماعي وتفاعل مع الحملة فاعلين خير”.

ومن ضمن المبادرات أيضًا، وفق البحري، “إفطار الصائم التي يتم توزيعها في شوارع مدينة مأرب، خاصة للمسافرين الذين يمرون عبر المدينة. موضحًا أن المشروع يستفيد منه الكثير من الناس، ويقام بتعاون مشايخ ورجال أعمال ومواطنين من جميع شرائح المجتمع، كانعكاس لروح التضامن بين مختلف الفئات.

من جملة صور التعاون والتكافل بمأرب، قال الناشط المجتمعي، عفيف العباب، إن أبرزها “إفطار الصائمين حيث يتم توزيع وجبات جاهزة للمسافرين وعابري السبيل أو إقامة موائد إفطار جماعي في المساجد والأحياء”.

عادات رمضانية

إضافة إلى الإفطار الجماعي لأبناء القرية أو المجتمع الواحد في المسجد، ذكر الأمين العام لمبادرة عزم التنموية، أحمد يحيى مبارك جماله، نماذج أخرى للعادات والتقاليد الرمضانية في المجتمع المأربي منها: إقامة الأمسيات الرمضانية التي يتخللها القصص والأشعار والمسابقات الدينية والثقافية”.

إضافة إلى “الزيارات بين الأهل والأسر والأصحاب وصلة الارحام التجمعات والجلسات الشبابية بعد صلاة التراويح استقبال رمضان بالشرح والبالة الشعبية عند بعض القبائل”.

وطبقًا لجماله، فإن “الجيل الجديد في مأرب لا زال محافظاً على العادات والتقاليد التي لا تتنافى مع المجتمع الحضاري اليوم، وأثبت أنه أكثر اكتساباً للثقافة والمعرفة من الأجيال السابقة”.

لمّة وإصلاح ذات البين

بدوره، قال المواطن ياسر البيحاني، إن “اللمة العائلية تحدث في غالبية الأسر خلال ليالي رمضان، حيث يحرص الجميع على التواجد مع بعضهم البعض”.

ولكون المشاكل قد تكثر في رمضان، ذكر البيحاني، “عادة متبعة في المجتمع المأربي، وهي أن الأقارب، بدرجة أولى، هم من يحتوون المشكلة ويعملون على حلها وإصلاح ذات البين”.

وفي حال توسعت المشكلة، قال إن “المحيط المجتمعي الأقرب يتدخل لتسوية الخلاف، حيث يسعى الجميع لإصلاح ذات البين وإنهاء أي خلافات، مما يعكس روح التعاون والتكاتف بين أفراد المجتمع”.

تكافل وتآزر

وفق الناشط أحمد جماله، فإن “شهر رمضان في مجتمع مأرب ليس مجرد موسم للعبادة والطاعة، بل هو موسم لتعزيز قيم التعاون والتكافل الاجتماعي وزرع الأخوة والمساواة بين أفراد المجتمع”.

وأضاف أن “رمضان يمثل فرصة حقيقية لتوطيد الروابط الاجتماعية وتقوية أواصر التعاون بين الأفراد، حيث يجسد المجتمع المأربي روح التآزر من خلال تبادل المساعدات والاهتمام بالآخرين”.

وذكر أن من أبرز الأمثلة هذا تكاتف الأفراد والأسر لتلبية احتياجات بعضهم البعض، سواء بتقديم المعونة في شكل هدايا أو مساعدات. كما يبرز مفهوم رابطة الغُرم التي تجمع بين الأسر والقبائل، حيث يتم توزيع تكاليف المواقف بين أفراد الأسرة أو القبيلة. 

ومن أبرز المبادرات الرمضانية بمأرب، وفق جماله، “توزيع المعونات النقدية والعينية من قبل الشخصيات الاجتماعية والتجار وفاعلي الخير على البسطاء والمعسرين، فضلاً عن إعفاء بعض المستأجرين من الإيجارات، والإصلاح القبلي في النزاعات والثأرات، مما يساهم في ترسيخ روح التضامن والتعاون بين جميع أفراد المجتمع.

ترجمة للقيم

يرى الباحث عكيزان، أن “هذه السلوكيات والمبادرات تُعد ترجمة حقيقية للقيم الاجتماعية الحميدة التي يجب المحافظة عليها وتوارثها”، معتبرًا “هذه القيم من الطرق الضامنة لوحدة المجتمع وتماسكه، وتعزيز قدرته على مقاومة الظروف الصعبة والقاهرة”.

فيما قال العباب، إن “المبادرات الرمضانية بمأرب هذا العام جسدت روح التكافل والتعاون بين أبناء المجتمع”. موضحًا أن تأثيرها في تقوية الروابط المجتمعية يظهر بوضوح في تعزيز روح الأخوة والتكافل بين أفراد المجتمع.

وإضافة إلى ذلك، قال إنها “تخفف من معاناة المحتاجين في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة، كما تساهم في تعزيز القيم الإيجابية مثل العطاء والإيثار، وتقوية العلاقة بين فئات المجتمع”.

فيما أكّد الناشط البحري، أهمية هذه الأنشطة التي قال إنها “تسهم في تقوية الروابط بين أفراد المجتمع في مأرب، خصوصًا وأن المحافظة تحتضن عددًا كبيرًا من النازحين من مختلف المحافظات”. مضيفًا أنها “تعزز روح التضامن، وتعزز العلاقات الإنسانية وتساهم في بناء شبكة من الدعم المتبادل، وتحسين الأمان الاجتماعي”.

تطوير واستدامة

ولاستدامة هذه المبادرات ونشر ثقافة التكافل، دعا العباب، إلى “إنشاء صناديق خيرية مجتمعية، وإطلاق حملات توعوية وإعلامية لتسليط الضوء على أهمية التكافل الاجتماعي، وتعزيز العمل التطوعي من خلال تشكيل فرق شبابية للمبادرات الخيرية على مدار العام”.

ولتطوير المبادرات واستدامتها، شدد على ضرورة أن تشمل “مشاريع تنموية مثل دعم الأسر المنتجة وتوفير فرص عمل للمحتاجين، مع تشجيع الجهات الرسمية والخيرية على تبني هذه المبادرات بشكل مستدام”.
 

مواضيع ذات صلة