أعد التقرير لـ"برّان يرس" - محمد الحذيفي:
تعيش مدينة تعز، (جنوب غرب اليمن)، وضعاً مأساوياً في قطاع المياه، عمّق من الأزمة الإنسانية المتفاقمة أصلا في المدينة بفعل الحصار المفروض عليها من قبل جماعة الحوثي المصنفة في قوائم الإرهاب، منذ أكثر من 10 سنوات.
وفي الآونة الأخيرة زادت حدة أزمة المياه في المدينة، وسط عجز من سلطات المحافظة والحكومة اليمنية المعترف بها، وصمت أممي ودولي، لم يفعل شيئاً يذكر لإنقاذ السكان من أزمة المياه التي تتعمق يوماً بعد آخر.
وفي حين يحمل مواطنون في المدينة ذات الكثافة السكانية، السلطة المحلية ومؤسسة المياه والصرف الصحي، الفشل الذريع في إدارة أزمة المياه الحاصلة، يتهمون الحوثيين أنهم يمارسون حرب مياه على المدينة التي يحاصرونها منذ سنوات.
وقالوا إن أزمة المياه دفعتهم إلى التنقل من مكان إلى آخر، للبحث عن "لترات" من المياه، كما لو أنهم يبحثون عن كنز ثمين حيث وصل سعر (صهيريج) الماء الواحد سعة 6 آلاف لتر، إلى 70 ألف ريال، أي ما يزيد عن مائة ريال سعودي.
عن ذلك التقى "بّران برس"، ناشطين ومواطنين ومسؤولين في المحافظة، وأجرى معهم لقاءات مصورة (شاهد الفيديو أعلاه)، أشاروا فيها إلى أن تعز، كما هي مدينة محاصرة أصبحت "منكوبة"، بالعطش والإهمال وغياب السلطات عن إيجاد أي حلول للأزمة الحالية.
وذكروا أن هناك تمييزاً كبيراً في توزيع المياه، فبينما تنعم أحياء بالضخ، تترك أخرى لمصيرها، غير أن السبب الرئيس لهذه الأزمة الحادة في المياه هي جماعة الحوثي المصنفة دولياً في قوائم الإرهاب، الذين قالوا إنها "تستخدم المياه سلاحا لمعاقبة وإيذاء أكثر من ثلاثة ملايين نسمة بصورة منافية لكل القوانين والمواثيق الإنسانية".
وتؤكد التقارير، أن أكثر من 100 بئر مياه، تقع تحت سيطرة الحوثيين في الجزء الواقع، وذلك في مناطق التعزية وهي المصدر الرئيسي لمياه المدينة التي كانت تغذي المدينة طيلة سنوات ما قبل الحرب الحوثية والحصار.
ما الأسباب..؟
الصحفي "جميل الصامت"، أرجع أسباب أزمة المياه الحادة في تعز إلى مسالة عدم استنهاض مؤسسة المياه واستعادة دورها ووظيفتها في خدمة المواطن، مبينا في حديث لـ"برّان برس"، "أن المؤسسة لم تستطع أن تسيطر على أغلب آبارها، المتواجدة داخل المدينة.
وفيما ذهب إليه "الصامت" يتفق معه "عدنان الحيدري" وهو صاحب وايت ماء، حيث قال إن سبب أزمة المياه توقف أبار الضباب عن الضخ واحتكار مؤسسة المياه للآبار التي تم حفرها على نفقة الكويت ووضع الأختام عليها وعدم استخدامها.
حرب المياه
ويواصل "الحيدري" حديثه لـ "برّان برس"، قائلاً: "تم تعطيل آبار الضباب بفعل جهات نافذة، تمارس العشوائية دفعت مالكي آبار المياه بالضباب إلى الإضراب عن العمل ليلاً بعد محاولتها إجبارهم على عدم العمل فيها، فرد أصحاب الآبار لن نشتغل لا ليلًا ولا نهاراً، مشيراً إلى أن المياه من آبار الحيمة توقف ضخها، وهي منطقة واقعة تحت سيطرة الحوثيين.
وعن وقوع أغلب الآبار في مناطق سيطرة الحوثيين، قال "جميل الصامت": "إضافة إلى ما تعانيه تعز من حصار نتيجة وقوع عدد من الآبار تحت سيطرة المليشيا، لافتاً إلى أنها تمارس من خلال تلك الآبار حصاراً خانقاً، على المدينة".
وأشار إلى أنه لا يوجد أي تنسيق بين الجهات المعنية في الاتجاهين، أي ما بين اتجاه الشرعية واتجاه الحوثيين، وذلك فيما يتعلق بمنطقة الحيمة التي كانت تضخ المياه إلى مدينه تعز.
وذكر "الصامت" أن ذلك قلل من نسبة المياه، التي كانت تضخ إلى مدينه تعز، مما سبب في أزمه داخل المدينة، إضافة إلى وجود حالة من التلاعب من قبل المسؤولين وسيطرة كامله على الآبار من قبل جهات نافذ.
ما الذي يريده المواطن؟
"المواطن علي محمد غالب"، في بدء حديثه مع "برّان برس"، طالب السلطة المحلية، ممثلة بمؤسسة المياه بالتوقف عن ممارسة ما أسماها بـ "العنصرية والمجاملة" في توزيع المياه على الأحياء السكنية.
وقال بحدة وغضب: "أحياء سكنية تأتيها المياه كل شهر، وأحياء سكنية لا تعرف ماء المشروع منذ 3 سنوات ولا نريد من هذه السلطة غير المساواة في توزيع الماء".
وذلك هو ما ذهب إليه الصحفي الصامت، الذي أبدى أسفه كذلك، من "غياب دور مؤسسة المياه" وقال: "نحتاج اليوم إلى أن المحافظة تتخذ إجراءات صارمة، بحيث تستعيد مؤسسة المياه دورها، فتستطيع أن تؤدي خدماتها إلى المواطنين، على حد سواء".
أما "عدنان الحيدري" فيقول: "غياب السلطة المحلية، سبب من أسباب الأزمة"، ويضيف "عندنا 10 آبار من الكويت، في عدة مناطق داخل المدينة قادرة على تغطية "الوايتات" وتغطية المنازل بشكل كبير".
أسعار المياه
وعن ارتفاع أسعار "صهاريج المياه"، أوضح الحيدري، أنه كان سابقاً كصاحب "وايت" يعمل على نقل المياه من 3 مرات إلى أربع في اليوم الواحد، أما الآن لا يحصل إلا على حملة واحدة، خلال 24 ساعة، وهذه لا تغطي المصروفات، وهو ما اضطر أصحاب الوايتات حسب قوله إلى رفع الأسعار ومع ذلك لا يغطي حاجاتهم.
واليوم الإثنين، أقرّت السلطة المحلية في محافظة تعز عدداً من الإجراءات العاجلة لمعالجة أزمة المياه في المدينة والتخفيف من معاناة الناس.
جاء ذلك في اجتماع رسمي، عقد برئاسة محافظ المحافظة "نبيل شمسان" ووكيل المحافظة لشؤون الخدمات المهندس رشاد الأكحلي مع الجهات ذات العلاقة، حيث تم اعتماد آلية لتشغيل عدد من أبار مؤسسة المياه وتنظيم توزيع المياه للمواطنين وبأسعار معقوله.
وعقب الاجتماع أكد وكيل محافظة تعز لشؤون الخدمات المهندس "رشاد الأكحلي" " أن الاجتماع خصص لتشخيص مشكلة أزمة المياه في تعز مع الجهات ذات العلاقة، وعلى رأسها مؤسسة المياه".
وأشار في تصريح لـ "برّان برس"، أن قيادة المحافظة وجهت مؤسسة المياه إلى "وضع خطة متكاملة وعاجلة لتوفير المياه ووصولها لكل المواطنين".
وأضاف: "هذا ليس طموح أو أمنية ولا مزايدة هذا ما اتفقنا عليه، والتزم به أمامنا مدير مؤسسة المياه والصرف الصحي على توصيل المياه إلى المواطنين"، مؤكداً أهمية التخفيف من أعباء المواطن والأزمات التي يعانيها والتي تتفاقم كل يوم وجاءت أزمة المياه لتزيد من المعاناة.
واعتبر أن مشكلة المياه "ناتجة عن الجفاف وشحة الأمطار والحصار الجائر المفروض من قبل جماعة الحوثي ومنع وصول المياه من آبار الحيمة الواقعة تحت سيطرتها"، مشدداً على ضرورة حل الازمة والتخفيف من معاناة الناس بالإمكانيات المتاحة وحسب القدرة المتوفرة.
ونوّه إلى أن ذلك يحتاج الى رفع كفاءة وفاعلية الجهات ذات العلاقة التي يجب أن تتحمل مسؤوليتها في توفير المياه وعلينا أن لا نخذل الناس.
حلول
في السياق، قال مدير عام مديرية صالة "عارف اليوسفي" عن الاجتماع، بأنه "ناقش أزمة المياه الحاصلة في مدينه تعز وأسبابها وما هي طرق المعالجة" وأضاف: "وخرجنا بمجموعة من الحلول على أن يتم تنفيذها من يوم غد".
وأكد في حديثه لـ"برّان برس" "أن من ضمن الحلول فتح بعض الآبار التابعة لمؤسسة المياه في منطقه الضباب (غربي تعز) أمام الوايتات للتعبئة، وتزويد المواطنين وبأسعار محددة".
وأشار إلى تشكيل لجنة رقابية للرقابة على الآبار الخاصة، التي استغلت الوضع القائم ورفعت أسعار مبالغة، إضافة إلى لجنة رقابية، ستشكل من المديريات ومن مكاتب الصناعة والتجارة، والنقل ومؤسسه المياه والصرف الصحي، للرقابة على هذه الآبار حتى لا تحدث أزمة أو تتفاقم أكثر.