|    English   |    [email protected]

موت الخصم وإظهار الشماتة

السبت 28 يونيو 2025 |منذ 6 ساعات
هيثم الشهاب

هيثم الشهاب

في لحظات الفقد، تُختبر القيم، وتُقاس رُقيّ النفوس. لا شيء يكشف المعدن الحقيقي للإنسان أكثر من تعامله مع الموت، خاصة حين يطرق باب من كان يختلف معه في الرأي أو الموقف. ففي الوقت الذي يُفترض أن يسود فيه الصمت والرحمة، يخرج البعض ليُشهروا شماتتهم، وكأنهم وجدوا في الموت فرصةً لتصفية الحسابات المؤجلة، لا لحظةً للتأمل والتواضع أمام قدر لا ينجو منه أحد.

الموت، بطبيعته، يجرد الإنسان من ألقابه ومناصبه وتحزّباته، ولا يترك له سوى اسمه وسيرته، وعين الله التي لا تنام. هو الحدّ الفاصل الذي تتوقف عنده لغة الصراع، وينبغي أن تبدأ فيه لغة الإنسانية. ومن هنا، فإن الشماتة في الموتى ليست فقط تصرفًا غير أخلاقي، بل هي اعتداء صريح على حرمة لا يملك الحيّ أن ينتهكها، مهما كانت مبرراته السياسية أو الفكرية.

لقد علّمنا التاريخ أن الخلاف بين البشر أمر طبيعي ومشروع، بل هو دليل على الحيوية الفكرية والتعدد في الرؤى. لكن السؤال الجوهري هو: كيف نختلف؟ وكيف نحترم المختلف، حتى حين يسكت صوته إلى الأبد؟
الكرامة لا تُختبر في زمن الاتفاق، بل في لحظة الفراق، حين يغيب الخصم، ولا يبقى منه إلا الأثر.

الشماتة بالموتى لا تبني مجدا، ولا ترفع راية قضية، بل تكشف خواء الروح، وسقوط المبادئ، أي انتصار هذا الذي يُبنى على جثة؟ وأي فكرة تُروّج بلغة القسوة والتجريح؟ بل إن أكبر إساءة لأي قضية هي حين يتحدث باسمها من فقدوا بوصلة الأخلاق.

النبي محمد قال: "لا تسبوا الأموات، فإنهم قد أفضوا إلى ما قدموا."، وهذه ليست مجرد وصية دينية، بل قاعدة أخلاقية وإنسانية، فالحديث عن الميت، الذي لا يملك حق الرد ولا فرصة التوضيح، هو شكل من أشكال الجُبن والتنمّر الرمزي، لا يُليق بمن يدعي الشجاعة أو الرجولة أن يطعن من لا يستطيع أن يدافع عن نفسه.

أما من زاوية اجتماعية، فإن ثقافة التشفي تُهدد تماسك المجتمع، وتفتح أبواب الكراهية والعنف الرمزي، الذي سرعان ما يتحول إلى شرخ فعلي في النسيج الإنساني. الأوطان التي تُهان فيها كرامة الأموات، يصعب أن تُصان فيها كرامة الأحياء.

الخلاف لا يعني العداوة، والمعارضة لا تبرر التشفّي، والمواقف مهما اشتدت، يجب ألا تُنسينا أن من نختلف معه هو إنسان في النهاية، له أهلٌ ورفاق، وله قصة بدأت ذات يوم وانتهت بصمت لا رجعة فيه.

فحين يموت الخصم، يبقى لنا خياران فقط: الرحمة… أو الصمت.
وما دون ذلك، خيانة للقيم، وسقوط في اختبار الإنسانية.