نداء إلى الشرعية.. أوقفوا العبث في مسقط!
حسين الصوفي
قبل أيام قيل لي أن هناك تحضيرات لعقد جولة مفاوضات في مسقط حول "ملف المختطفين والمخفيين قسريا"، تجاهلت الأمر، ولم أسمح لنفسي حتى من التفكير بأن الحكومة قد تتورط مجددا مع الامم المتحدة في تبييض سجل المليشيا وشرعنة جرائمها!.
ظننت أن الكل قد تعلم الدرس، وان الضمائر في يقظة لن تقبل تكرار الخطيئة، وقلت ربما أن المعنيين قد اطلعوا على وثيقة من أهم مواثيق الأمم المتحدة والتي تعرف ب "إعلان حماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري"، وأنهم لن يقبلوا بتحويل ملف المختطفين والمخفيين القانوني والانساني، إلى ورقة سياسية استطاعت المليشيا الارهابية من انتزاع مكاسب سياسية لا يمكن لإنسان عاقل ومسؤول أن يتورط في هكذا صفقات غير أخلاقية لا تقبل المساومة والتفاوض.
والسؤال هنا يعود مرة أخرى: هل يعلم الوفد الحكومي عن إعلان حماية الاشخاص" الذي اعتمدته الامم المتحدة في عام ٢٠٠٧م كملحق خاص واضافي للعهود والمواثيق والقوانين الدولية الخاصة بحقوق الانسان؟!
هذه الوثيقة هي الوظيفة الأهم للامم المتحدة، هكذا تلتزم في ديباجتها وتتعهد باستئصال جريمة اخفاء الاشخاص نهائيا، وتتعهد بدورها في حماية الاشخاص من جريمة الاخفاء القسري، وهذا ما نصت عليه المادة الاولى:
"1. يعتبر كل عمل من أعمال الاختفاء القسري جريمة ضد الكرامة الإنسانية ويدان بوصفه إنكارا لمقاصد ميثاق الأمم المتحدة وانتهاكا خطيرا وصارخا لحقوق الإنسان والحريات الأساسية التي وردت في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وأعادت تأكيدها وطورتها الصكوك الدولية الصادرة في هذا الشأن.
2. إن عمل الاختفاء القسري يحرم الشخص الذي يتعرض له، من حماية القانون، وينزل به وبأسرته عذابا شديدا. وهو ينتهك قواعد القانون الدولي التي تكفل، ضمن جملة أمور، حق الشخص في الاعتراف به كشخص في نظر القانون، وحقه في الحرية والأمن، وحقه في عدم التعرض للتعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة. كما ينتهك الحق في الحياة أو يشكل تهديدا خطيرا له."
هذا التعريف الذي تضمنه الاعلان الاممي، يحمل مفردات بالغة التحدي والعزيمة والاصرار على حراسة كرامة الانسان وحياته وحقوقه من جريمة بشعة كالاخفاء والتغييب!.
ولم يتوقف الاعلان عن توصيف الجريمة فحسب، بل وضع الاليات والاجراءات والوسائل ومنح الدول منفردة ومجتمعة الضوء الاخضر لتنفيذ كل التدابير التي تمنع هكذا جريمة, حيث نصت المادة الثانية في الفقرة الثانية على:
"2. تعمل الدول علي المستوي الوطني والإقليمي، وبالتعاون مع الأمم المتحدة في سبيل الإسهام بجميع الوسائل في منع واستئصال ظاهرة الاختفاء القسري.".
في اليوم العالمي للاختفاء القسري، أصدرت رابطة الامهات بيان جاء فيه "وثقت رابطة أمهات المختطفين “128” حالة إخفاء قسري ما زالت إلى الآن مجهولة المصير".
وفي تقرير سابق أصدرته منظمة سام للحقوق والحريات بعنوان " الغيبة الطويلة" - الصادر في أغسطس 2021 - كشف عن 270 حالة تعرضوا للإخفاء القسري"!.
تلك جريمة لا تقبل المساومة أو التفاوض.
في مقابلتين واحدة على قناة المسيرة الحوثية وأخرى على قناة الميادين، اعترف عبد القادر المرتضى بأنهم لن يسمحوا بالتفاوض حول محمد قحطان إلا بمقابل".
هذه تصريحات بالصوت والصورة، وهذه وثائق وأدلة دامغة واعتراف صريح بارتكاب جريمة الاخفاء القسري، بل والأقبح منه والاشد قبحا المساومة الوقحة على تحقيق مكاسب مقابل السماح لاسرة قحطان بزيارته، والتباهي بارتكاب جريمة الاخفاء والتغييب القسري لأكثر من تسع سنوات؟!
ثم ماذا؟!
تستجيب الحكومة بدون أدنى مسؤولية للذهاب إلى جولات تفاوض عبثية أفقدت اصحاب الحق قوة حقهم وعدالة قضيتهم وحولتهم إلى مجرد أوراق ورهائن تلعب بهم قمار على طاولة المفاوضات!.
هل قرأتم بقية مواد إعلان الامم المتحدة حول جريمة الاخفاء؟!
لو قرأتم النصوص في المواد السابعة والسابعة عشر لكان الوفد الحكومي الان في جولاته الاخيرة من تقديم المجرمين إلى المحاكم الدولية.
قال الزميل توفيق المنصوري أن المرتضى اشرف على تعذيبه، والمرتضى نفسه يتباهى جهارا نهارا بأنهم مستمرون في ارتكاب جريمة اخفاء محمد قحطان، والقانون الدولي ووثيقة الاعلان الاممي تنص على أن أوجب واجباتها استئصال جريمة الاخفاء والتغييب القسري، ومنحت الضوء الاخضر لكل دولة باعتقال ومحاكمة كل من يتورط في ارتكاب جريمة اخفاء قسري، وحذرت من استقباله أو منح اللجوء له أو القبول به بأي حال من الاحوال.
***
يقال أن أصعب الخسارات، هي خسارة تلك القضايا الرابحة التي يتسبب بها المحامي الفاشل، ومن واقع التجربة، فقد يخسر المحامي الماهر قضية ما حولها بعض الملابسات، لكن المحامي الذي يتسبب في خسارة القضايا الناجحة يعد شريكا في الجريمة ومتورطا فيها، قصد أم لم يقصد.
قبل نحو سبع سنوات وتحديدا عام ٢٠١٨م وقعت الامم المتحدة على اتفاق واضح شديد الوضوح لا لبس فيه ولا غموض، لا يقبل التأويل ولا التفسير، ولا ينكره ولم ينكره أحد، نص هذا الاتفاق على " الافراج عن كافة المختطفين والمخفيين قسريا والاسرى، من كافة السجون، وبمبدأ الكل مقابل الكل"!.
كنا حينها نحذر الحكومة والامم المتحدة أن مجرد وضع ملف المختطفين والمخفيين قسريا على طاولة التفاوض السياسي، كجزرة في العصا لا يمكن وصف هذا السلوك إلا كشرعنة للجرائم الأبشع ضد الانسانية, ومع ذلك فقد تم تجزئة هذا الاتفاق والتحايل عليه وتحول إلى قاع الاهتمامات الحكومية، وما أقسى أن تمارس سلطة ما خطيئة بحجم خطيئة الاهمال والتغافل عن أعظم وأثمن وأقدس تضحيات ونضالات أبناء شعبها في معركة وطنية مصيرية.
اوقفوا مهزلة وعبث التفاوض، وتوقفوا عن اللعب بنضالات أبطال شعبنا وطرحها على طاولات النقاش، وتصرفوا بمسؤولية، فمن يفرط في نضالات الشعب لن ينجو من المساءلة، والله المستعان.