تصحيح التراث للقضاء على فقاسة الإرهاب في اليمن
توفيق السامعي
منذ عام 2006، حينما تصاعدت وتيرة التمرد الحوثي ضد الدولة اليمنية لم تفتر أقلامنا تحذر من مآلات وخطورة هذه المليشيا التي تسعى للانقلاب على الدولة على اعتبار أفكارها الضالة المضلة القائمة على أساس الاصطفاء الإلهي ونقاء العرق السلالي، والأفضلية والعنصرية الطائفية.
كباحثين في التاريخ الإمامي والشيعي بشكل عام تعمقنا كثيراً في الأبحاث الفكرية الدقيقة التي تقوم عليها نظرية الإمامة، وتجدد صراعها مع الشعب اليمني في كل عصر، ابتداءً من مجيء إبراهيم الجزار إلى اليمن لنشر المذهب الزيدي فيها وتعقيباً من قبل يحيى بن الحسين الرسي، الذي بذر كل هذا الشر في اليمن عبر نظريته الإمامية، القائمة على أساس الولاية الإلهية لعلي بن أبي طالب وابنيه الحسن والحسين –رضي الله عنهم-، وكذا على أساس العرق والنسب والعنصرية الهاشمية، وحشد لها كل الأفكار والنصوص تزويراً وتَقَوُّلاً على الله ورسوله، وكذا على علي بن أبي طالب نفسه.
ببصيرة الباحثين الذين يهمهم إزالة هذه المشكلة من جذورها، والعودة إلى الأسس التي قامت عليها هذه النظرية الدموية، والفئة الضالة التي تتجدد في كل عصر، وقفنا على أسسها، وبحثنا في النصوص المختلفة والأفكار المبثوثة عنها، وأدركنا أخطاءها وتزويرها، ونعمل على استئصالها من جذورها للقضاء على الفقاسة التي تنتج كل هذا الإرهاب والدمار الشامل الذي حل باليمن منذ مجيء هذا الهادم الحضاري للحضارة اليمنية، سواء عبر الأفكار الإمامية أو عبر النصوص المدسوسة في كتب السنة.
بتصحيح هذا التراث الملغوم، الذي يعمل كثير من الباحثين اليوم على هدم خرافته عبر أجيال التاريخ المختلفة، ليس هو افتعال معارك جانبية كما يتوهم البعض، أو كما يتحامل البعض الآخر ويعتبر الباحثين فيه عبارة عن نزق فكري أو شطحة تعصبية؛ بل هو نزع لفتيل هذه القنبلة التي تتفجر في كل قرن في اليمن وتودي بحياة عشرات الآلاف من الناس قتلاً وأضعافهم تشريداً وأضعاف أضعافهم موتاً بالمجاعات والأوبئة المختلفة التي تتسبب بها الإمامة عبر التاريخ، ولو جمعناها في أرقام لوصلت بالملايين عبر كل العصور.
هذه الفقاسة هي التي أنتجت إرهاب الجزار في القرن الثاني الهجري، وأنتجت إرهاب الرسي في القرن الثالث، وانتجت إرهاب بنيه واحفاده في القرن الرابع، وانتجت إرهاب الديلمي والعياني وابنائهم في القرن الخامس، وأنتجت إرهاب ومجازر عبدالله بن حمزة في القرن السادس، وانتجت إرهاب تاج الدين الشريف وأحمد بن الحسين والحمزات والمطهر بن يحيى في القرن السابع، وأنتجت إرهاب المهداوية والمتوكلية وين وهاس في القرنين الثامن والتاسع، وانتجت إرهاب أسرة وبيت شرف الدين والجزار المطهر في القرن العاشر، وأنتجت إرهاب بيت القاسم بن محمد في القرن الحادي عشر، وانتجت إرهاب المتوكلية بعد ذلك في القرون الثاني عشر والثالث عشر، واليوم في القرن الرابع عشر أنتجت أسوأ إرهاب عالمي من بقايا المتوكلية والإرهاب الحوثي الحديث ذا الامتداد الإيراني الفارسي.
لا يمكن ان ينتهي كل ذلك الا بالقضاء على مصنع هذا الإرهاب وفقاسته التي تعمل على تكاثره وإنباته في كل عصر، وفي كل قرن تنبت لنا أسرة جديدة تدمر كل شيء في اليمن.
لم يكن خوضنا في هذا المجال هو توهاناً وفقداً للبوصلة؛ بل هو تبصير بالمشكلة وتشخيص لها للبحث عن علاج لها بين اليمنيين خصوصاً والعرب عموماً، قد يسبق اليمنيون أشقاءهم العرب في هذا المجال للبحث عن حلول مناسبة تقي الأمة العربية والإسلامية هذا الفكر الضال والتدمير الممنهج الذي حصد حتى الآن خمس دولٍ في طريقه؛ هي رأس الشر إيران، ثم العراق وسوريا ولبنان واليمن، وما زالت مسيرة التدمير مستمرة.
لنفترض جدلاً أننا غفلنا عن هذا الفعل وتجنبنا الخوض فيه تعقلاً، كما يقول الناقدون، فإن الطرف الآخر يستغل هذه الأفكار ويبثها في عقول العامة من الناس والغوغاء ولا يتوقف في كل عصر، فينخدعون بها، ليتم حشدهم بكل يسر، على اعتبار أنهم حراس للعقيدة وينصرون الدين ويقاتلون المارقين عنه ويثبتون أصحاب الحق الإلهي في هذه الولاية، ويتحولون إلى وحوش كاسرة لا ترحم؛ فتهلك الحرث والنسل في طريقها، وتعتبر أن تضحيتها عواقبها الجنة كما يتوهمون، وتستمر بذلك مسيرة التدمير والقتل، فيقاتلون عن عقيدة وإصرار ولا يدركون أنهم مخدوعون مضللون، وهكذا في كل عصر، بعكس لو تبينوا الطريق، وأنه يتم خداعهم بهذا التزوير، وأن قتالهم ونصرتهم ليس من الدين في شيء، وإنما هم حطب ووقود للمعارك لا يستفيد منها إلا العنصريون الهاشميون، أدعياء الحق الإلهي.
إننا نُكْبِرُ في شعبنا اليمني هذه الصحوة الفكرية ضد السلالية والاصطفاء والعنصرية، ونحن نراها تكبر وتتعاظم كل يوم، وفي كل مرة يلتحق باحثون جدد في المسيرة الفكرية للنضال اليمني.
لقد شاهدنا بأم أعيننا ولمسنا كيف يعمل الفكر الحوثي الضال على التضليل بالمواطنين من القبائل وخداعهم وهم يقولون إنه ينصرون ابن رسول الله، وينصرون أصحاب الحق الإلهي، ويدعمون الولاية الطالبية التي يفتعلون لها المناسبات المختلفة؛ تارة باسم الولاية، وتارة باسم استشهاد الحسين، وثالثة باسم ميلاد فاطمة، ورابعة باسم الغدير، وخامسة باسم المظلومية التاريخية، وهكذا دواليك، وبذلك يحشدون المغفلين من خلفهم ويواجهون اليمنيين بعضهم ببعض، ويستمر الدم اليمني نازفاً عبر العصور.
إننا نجد بعض المحسوبين على تيارات تنويرية وقفت ضد العصبيات على أساس من نشر المساواة بين المواطنين وإذا بهم يتحدثون اليوم بحديث الحوثي ويرددون هرطقاته، ويجادلون أن مناسباتهم وولايتهم وردت في البخاري ومسلم، ووردت في كتب السنة وليس في كتب الشيعة وحسب، وذهب الكثير منهم لمناصرة السلالية الجديدة والوقوف معها.
لقد سمعنا بعض من يسمونهم علماء في التيار الإمامي وهم يقولون لنا جميعاً إننا نصلي ونسلم عليهم في صلواتنا من خلال التشهد في كل صلاة، على اعتبار أنهم المقصودون فيما تسمى الصلاة الإبراهيمية، وكذا مما يوجبونه على عامة المسلمين من الخمس أنهم المقصودون به، ويرددون هذا ليس في كتبنا وحسب بل في كتب السنة أيضاً!
ومع أنهم يحاربون كل كتب السنة ولا يعترفون بأي علم يأتي من غيرهم، بل وعبر التاريخ قتلوا علماء السنة، ومنعوا تدريس علوم الحديث وخاصة البخاري ومسلم وغيرهم، إلا أنهم إذا وجدوا نصاً مما يؤيد فكرهم الضال في كتب السنة طاروا به فرحاً وصرخوا في وجوهنا: هذا في كتبكم؛ كتب السنة فاعملوا به!
من هنا وجب على كل ذي علم ومعرفة أن يبين الحق من الباطل، وأن يعمل على نزع فتيل هذه القنبلة ابتداءً من تصحيح هذه الأفكار الواردة في كتب السنة ومحاجاتهم حتى من كتبهم؛ فالتدليس الفكري لم تسلم منه كتب السنة المعتبرة، ناهيك عن كتب الشيعة التي وضعت كل الغث في سبيل دعم فكرتهم الإمامية ومحاربة غيرهم من السنة باعتبارهم نواصب يجب محاربتهم قبل الكفار.
رفع الإماميون في اليمن عبر التاريخ مصطلح الجهاد، وبالبحث فيه لم نجد أنهم يقصدون به الجهاد الإسلامي المعروف، بل يقصدون جهاد السنة والتمرد على الدول اليمنية المختلفة، ورفعوا شعار المظلومية وتحولوا إلى أكبر ظلمة في التاريخ، ورفعوا شعار الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإذا بهذا الشعار يواجهون كل حاكم يمني وكل قبيلة يمنية، ورفعوا شعار محاربة الظلمة، وإذا بالمقصود بالظلمة عندهم اليمنيين الذين يخالفونهم الفكر والعقيدة، وهكذا في كل شعار يرفعونه، كما رفع الحوثي اليوم شعار الجرعة وتطبيق نتائج الحوار الوطني وإذا به يقطع كل وسائل العيش على اليمنيين وليس فقط الجرعة، ودمر كل شيء يؤدي إلى الحوار، ويعمل على نقض كل الاتفاقات قبل أن يجف حبرها.
إننا لسنا بصدد خلق عنصرية مضادة بقدر ما يهمنا من البحث عن حلول لاستقرار بلدنا، ونزع فتيل الصراع المتجدد في كل عصر فيه والذي أودى بنا في الدرك الأسفل من ركب الأمم وحضاراتها مع أننا من أوائل الأمم تاريخاً وحضارة وفعلاً إنسانياً مؤثراً خدمت البشرية بشكل عام.