الخطاب الحوثي… جثة فكرية تقتات على الشعارات المخادعة

د. محمد العرب
الخطاب السياسي الحوثي ليس سوى قناع زائف يخفي وراءه مشروعاً طائفياً ضيق الأفق ، مغلفاً بلغة المقاومة والتحرر بينما هو في جوهره خطاب استعباد وإقصاء وتفخيخ للهوية الوطنية….!
من يقرأ أدبياتهم وبياناتهم وخطب زعيمهم عبد الملك الحوثي القابع في السرداب، يدرك أننا أمام لغة مكر وخداع، تُصاغ بعناية لتغسل العقول وتغذي الكراهية تحت لافتات مزيفة كالصرخة في وجه المستكبرين و مظلومية آل البيت ، لكن الحقيقة الفاضحة أن هذا الخطاب ليس سوى وسيلة لتكريس سلطة دينية مغلّفة بالدجل السياسي، تستمد شرعيتها من وهم سلالي لا يعترف بالمواطنة ولا بالدولة، بل يحنّ لعهود الإمامة التي دفنها الشعب اليمني بثوراته.
الخطاب الحوثي ليس ثورياً كما يدّعون، بل رجعي حتى النخاع. هو محاولة لاستنساخ الماضي وتقديس الجهل، ومصادرة الحاضر، وقتل المستقبل. يتحدثون عن مقاومة الاستعمار الأمريكي والإسرائيلي، بينما يتكئون على الدعم الإيراني، ويحولون اليمن إلى منصة حرب بالوكالة ومختبر تجارب للصواريخ والطائرات المسيّرة. يتحدثون عن السيادة وهم يبيعون القرار اليمني في المزاد الإيراني، ويعقدون الولاء لقم وطهران أكثر من صنعاء وصعدة. أليس هذا نفاقاً سياسياً فجاً؟ أليس هذا خيانة عظمى مغطاة بعباءة الثورة المقدسة؟
كل ما في خطابهم يصرخ بالتناقض: يدّعون محاربة الطغيان وهم يمارسون الطغيان بأبشع صوره؛ يصرخون باسم الشعب وهم يجلدون الشعب صباح مساء؛ يتحدثون عن الكرامة الوطنية وهم يكممون الأفواه، يعتقلون الصحفيين، يفجرون منازل المعارضين، ويدفعون أطفال اليمن إلى الجبهات كوقود رخيص لحروبهم العبثية. كيف يمكن لحركة تدّعي الدفاع عن حقوق اليمنيين أن تكون السبب الأول في تشريدهم وتجويعهم وتمزيق نسيجهم الاجتماعي؟
خطاب الحوثيين قائم على صناعة العدو الخارجي لتبرير فشلهم الداخلي. كل مصيبة في البلاد تُلصق بالمؤامرة الخارجية، بينما الحقيقة أن الكارثة الأكبر هي وجود هذه الجماعة بحد ذاتها. إنهم يضعون أنفسهم في موضع النبوة، ويحيكون سرديات دينية وسلالية تمنحهم تفويضاً إلهياً للحكم، كأن الشعب اليمني قطيع ينتظر الحوثي ليقوده باسم السماء…!
هذا ليس خطاباً سياسياً بل فاشية متوحشة، تتستر بالقرآن وتدوس على قيمه ، الحوثيون لا يبنون دولة بل ينسفونها ولا يصنعون وعياً بل يزرعون الخرافة ولا يقودون ثورة بل يعيدون إنتاج الكهنوت بجهاز حديث من الإعلام والمليشيا والتضليل…!
هم سرطان نبت في جسد الدولة اليمنية، وكل يوم يبقون فيه على قيد السلطة، يتضاعف الخراب، ويتشظى الوطن، وتتآكل الهوية. خطابهم ليس أيديولوجيا، بل أداة للنهب والسيطرة وترويع المجتمع باسم الوصاية السماوية…!
ما يدعونه من تحرير واستقلال ليس سوى كذبة كبرى تبرر مشروعهم التسلطي وتغطي على حقيقة أنهم مجرد أداة بيد نظام إقليمي يتخذ من الطائفية سلاحاً للتمدد ، وإن لم يتوقف هذا الخطاب ويُكسر في جذوره، فإن اليمن سيفقد ملامحه، وسيتحول إلى مستعمرة لاهوتية يغيب فيها العقل ويُجلد فيها الضمير.
لقد آن الأوان أن يُفضح هذا الخطاب دون مواربة، أن يُكشف قبحه العميق، أن يُقال له بوضوح: كفى تزييفاً، كفى كذباً، كفى خطفاً لوطن كامل باسم شعارات بالية وحروب بلا نهاية. فاليمن يستحق حياة لا تبدأ بـ (الصرخة) وتنتهي بالمقبرة.