قال لي الرئيس

د. محمد العرب
ليس كل اللقاءات تُروى… ولكن بعضها يفرض نفسه على الذاكرة، لأن فيه من الوضوح ما يفوق الضجيج، ومن الحكمة ما يفوق التصريحات ، لقائي الأخير مع فخامة الرئيس الدكتور رشاد محمد العليمي، رئيس مجلس القيادة الرئاسي، لم يكن مجرد حوار سياسي، بل كان نافذة عميقة على عقل رجل يعرف جيداً أين يقف، ومن يواجه، ولماذا يخوض هذه المعركة التاريخية التي تتجاوز اليمن إلى الأمن الإقليمي والدولي.
وأنا الذي عشت تفاصيل الحرب في اليمن لأكثر من خمس سنوات وثلاثة أشهر، أستطيع القول بثقة إن ما قاله الرئيس لم يكن تحليلاً عابراً، بل تشخيصاً دقيقاً لجوهر الصراع ومعادلاته المعقدة. لم أسمع منه شعارات، بل خريطة طريق واضحة المعالم، تبدأ من مواجهة محور الشر وتنتهي بإعادة بناء الدولة اليمنية على أسس صلبة.
قال لي الرئيس: نمتلك كل الأدلة على الدور الإيراني التخريبي في اليمن والمنطقة وهي أدلة دامغة لا تقبل التأويل والتفنيد
توقفت كثيراً عند هذه الجملة. قالها بثبات، كمن يعرف كل خيوط اللعبة، لا كمن يكرر ما يُكتب له. إيران حسب ما كشفه الرئيس لم تعد تموّل الحوثيين فقط، بل تصوغ لهم دوراً يتجاوز حدود اليمن إلى قلب البحر الأحمر، ضمن مشروع توسعي يراد له أن يبتلع الممرات المائية ومفاتيح الأمن الإقليمي ويهدد الملاحة الدولية والاقتصاد العالمي
ما قاله الرئيس لا يمكن تجاهله. فهو لا يتحدث عن اتهامات نظرية، بل عن وقائع مدعومة بالأدلة: أسلحة إيرانية مصادرة، خبراء من الحرس الثوري في صنعاء، سفراء بزي عسكري، ونسخ مطابقة من ترسانة طهران تُطلق اليوم على السفن في البحر الأحمر.
ولم يكن أخطر ما قاله عن السلاح، بل عن التحول الاستراتيجي الأعمق: إيران تعد عبد الملك الحوثي ليكون خليفة لحسن نصر الله وهذه ليست مجرد نبوءة سياسية، بل قراءة واقعية لما يجري على الأرض: إيران تعيد توزيع أوراقها، وتضع الحوثيين في قلب المشهد الجديد للمحور الإيراني.
قال لي الرئيس بحزم: التهديد الحوثي ليس قضية يمنية فقط… بل مشروع عابر للحدود، يبدأ من صعدة وينتهي في مضيق باب المندب.
وهنا، لم أستطع أن أفصل كلام الرئيس عن تجربتي الطويلة كمراسل صحفي في الجبهات. رأيت بعيني كيف يتحول السلاح الإيراني إلى شظايا في أجساد الأبرياء، وكيف تُفتح السجون لعناصر القاعدة باتفاقات مشبوهة بين الحوثيين والتنظيم، وكيف تتحول الموانئ إلى قواعد تهديد.
قال لي الرئيس بواقعيةٍ مؤلمة:
الغارات الجوية وحدها لا تكفي، ما لم يُجتث هذا المشروع الثيوقراطي من جذوره.
وصدق الرجل. لأن المعركة اليوم لم تعد فقط عن جغرافيا، بل عن فكرة يجب أن تُهزم… فكرة الكهنوت السياسي، واستعباد الشعوب تحت غطاء الدين، وفوضى السلاح بغطاء المقاومة الزائفة.
ولأنني كنت شاهداً ميدانياً على أدق تفاصيل الحرب اليمنية، أقولها بيقين: رشاد العليمي ليس رئيساً بروتوكولياً ، بل رجل دولة بوعي استراتيجي، يدرك أبعاد المواجهة، ويضع إصبعه على مكامن الخطر الحقيقي.
قال لي الرئيس بامتنان صادق:
لولا تحالف دعم الشرعية بقيادة المملكة العربية السعودية، لكان اليمن كله اليوم تحت سيطرة إيران ، وهو محق تماماً لأن دعم التحالف لم يكن فقط عسكرياً ، بل تنموياً وإنسانياً واقتصادياً والتخلص من ارث الالغام من القذافي إلى عبدالملك الحوثي وبدون السعودية، لما استطاع ثلاثة ملايين يمني الاستمرار في إعالة ذويهم، ولما تحررت 70٪ من الأراضي.
خرجت من لقائي بالرئيس العليمي وأنا أشعر أننا أمام فرصة تاريخية أخيرة لإنقاذ اليمن. فرصة تحتاج وعياً دولياً لا يرى فقط الصاروخ الحوثي، بل يرى اليد التي تصنعه، والعقل الذي يوجهه، والمشروع الذي يدفعه.
نعم، قال لي الرئيس… ولكنني سمعت صوت اليمن كله في كلماته.
سمعت صوت الجبهات، وأنين المدن المحاصرة، وصرخات الأمهات، وآمال الأطفال الذين يحلمون بمدرسة لا تقع تحت سطوة المليشيا عسكريا وفكريا وضع مليون خط احمر تحت كلمة فكريا..!
قال لي الرئيس… وأنا أقول للعالم: استمعوا إليه جيداً ، فهو لا ينطق إلا بما تراه اليمن وتحياه.