|    English   |    [email protected]

“ترمب” يكتب الهزيمة قبل إطلاق الرصاصة

الجمعة 20 يونيو 2025 |منذ 4 ساعات
محمد عبدالقادر اليوسفي

محمد عبدالقادر اليوسفي

في السياسة كما في الحروب، لا يكون الإعلان عن النهاية سوى بداية فصل جديد من المواجهة، هذا ما يفعله الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وهو يعيد تشكيل مسرح الصراع مع إيران عبر خطاب لم يترك مجالًا للّبس ولا للتهدئة، فبدلًا من التلويح بالعقوبات أو الإيماء بإمكانية العودة إلى الطاولة، اختار الرجل أن يتحدث من موقع المنتصر في حرب لم تُعلن بعد ومن منصة الواثق بأن الهزيمة الإيرانية مجرد وقت لا أكثر.

خطابه الأخير لم يكن تصريحًا عابرًا في سياق التصعيد، بل إعادة ترسيم كاملة لموقع طهران في النظام الدولي، فحين يعلن ترامب بشيء من التحدي والاستخفاف، أنه "سئم الوضع مع إيران" ويطالب بـ"استسلام غير مشروط"، فإن ذلك لا يعكس رغبة في تسوية، بل إرادة لكسر الإرادة ذاتها، وهدم البنية الاستراتيجية التي قامت عليها الجمهورية الإسلامية منذ 1979، لم يعد الحديث عن برنامج نووي أو دعم ميليشيات بل عن مشروع يجب تفكيكه.

الأخطر من ذلك أن ترامب يزعم دون حرج أن طهران طلبت لقاءه في البيت الأبيض، في هذا الادعاء ما يتجاوز محاولة تسجيل نقطة سياسية، هو تعبير صريح عن نزع الندية وإخضاع الخصم لصورة المنتصر، في هذا الخطاب لا تفاوض بين طرفين متكافئين، بل بين غالب ومغلوب، بين دولة تسعى للخلاص من المأزق وأخرى ترسم شروط النهاية.

حين يقول ترامب إنه "قد يضرب المنشآت النووية الإيرانية وقد لا يفعل"، فهو لا يناور دبلوماسيًا، بل يوظف الغموض كسلاح استراتيجي، يبقي خصومه في حالة ترقب وشلل يحاصرهم بالتردد، ويخلق مناخًا دائمًا من الخوف والقلق داخل النخبة الإيرانية، إنها الحرب التي تدار بدون صواريخ لكن وقعها لا يقل عن قصف مباشر، تفكيك تماسك الخصم نفسيًا قبل أي ضربة عسكرية.

التصريح الأخطر في كل هذا المشهد كان اعترافًا ضمنيًا بأن الدفاعات الجوية الإيرانية لم تعد موجودة وأن الأجواء صارت مكشوفة أمام الطائرات الإسرائيلية، هذا ليس مجرد تحليل عسكري بل إعلان رسمي بانتهاء عهد الردع، وبدء زمن الاستباحة الجوية، حيث يصبح أي موقع داخل إيران هدفًا ممكنًا في أي لحظة، بهذه اللغة يجهز ترامب الرأي العام ويمنح إسرائيل مظلة سياسية لأي تصعيد قادم مهما كانت درجته أو توقيته.

وفي ذروة هذا التصعيد اللفظي يتقمص ترامب دور القوي السياسي الذي يمنح فرصة أخيرة، ثم يسحبها بلحظة، "متأخر جدًا لكن لا يزال هناك وقت لوقف الحرب"، هذه الجملة وحدها كفيلة بإغلاق كل أبواب المناورة أمام إيران، الباب مفتوح، نعم، لكنه لا يمر منه سوى من خلع كل أثقاله وكل ما كان يعتبره أوراق ضغط.

وحين يعلن أن "الأسبوع القادم سيكون حاسمًا"، فإننا لسنا أمام مجرد تنبؤ سياسي، بل جدول زمني لصياغة مشهد إقليمي جديد قد يبدأ بضربة إسرائيلية موسعة، أو بحدث داخلي مفاجئ يهزّ النظام من الداخل، أو باستسلام مغلف بلغة التفاوض. في كل الحالات لا عودة إلى الوراء.

ما قاله ترامب باختصار، هو أن الصراع مع إيران خرج من خانة الاحتواء وانتقل إلى مرحلة الحسم، لم يعد أمام طهران إلا خياران، إما الخضوع التام أو الذهاب إلى مواجهة لا يشبه رعبها شيئًا من الماضي، والشرق الأوسط كله على أهبة الانفجار، ليس فقط لأن سماء إيران باتت مكشوفة، بل لأن من يسيطر على السماء قد يعيد كتابة الأرض من جديد.