حين يركد الرمي

الشيخ/ علوي الباشا بن زبع
في كل الحروب، تكون البدايات مرآة للنهايات، وفي سياقات الاشتباك تتضح المصالح والاصطفافات، بل وحتى “التسلية السياسية”، فيما يبقى أطراف الحدث الحقيقيون وحدهم من يدفعون الثمن، يُصابون، يتوجّعون، ويعودون بعد المعركة يلملمون جراحهم على تفاوت، متجلّدين في الظاهر، لكن مثقلين بما لا يُقال.
هكذا هي إيران وإسرائيل، لم يكونوا في نزهة، ولا على خشبة مسرح، بل في معركة قاسية خرج منها “الأسد الإسرائيلي” موجوعًا، و”النمر الإيراني” منهكًا. فلا تتحسروا على ما بذلتموه من متابعة أو تحليلات، فبلا شك أن اهتمامكم أثمر، إن كنتم من الطرف المتفرج المهتم لا اللامبالي.
في بادية نجد، تقول الحكمة القديمة:
“اصبر إلى أن يركد الرمي”
أي لا تُطلق الأحكام ولا تسطّح الأمور حتى تهدأ المعركة وتتضح الحقيقة.
واليوم، وبعد أن ركد الرمي، هناك أسئلة كبرى تنتظر إجابة قبل أي تقييم حقيقي:
1- ما مستوى الضرر المتبادل؟
من الطرفين في “حرب الخليج الثالثة” التي دامت 12 يومًا؟ لا يمكن الحكم دون مقارنة دقيقة بين الخسائر العسكرية والسياسية لكل جانب.
2- ما طبيعة التفاهمات غير المعلنة؟
التي جرت مع إدارة ترامب (الظل) من طرفي الحرب والوسطاء؟ هل تم تقديم تنازلات إيرانية كبيرة تتعلق بالنووي، الصواريخ، أو النفوذ الإقليمي؟
وهل نحن أمام توازن ردع… أم هزيمة قاسية؟
3- الحرب القادمة.. أين ستكون؟
في أي من الدول الخمس المرتبطة عواصمها التاريخية افتراضًا بمحور إيران؟
وهل ستكون بإرادة إسرائيلية خالصة؟ أم يُدفع أحد فصائل إيران لتسلم المعركة نيابةً عن طهران؟
4- والمسكوت عنه.. غياب أذرع إيران؟
لماذا لم تُستنفَر إيران كل الأذرع في الحرب الأخيرة؟
هل احتفظت بهم طهران لجولات ثأر قادمة؟
أم أن بعضهم أو جميعهم خذلها، وظهروا كمن ينطبق عليهم ما نُقل عن دبلوماسي إيراني في العراق:
“أطعمنا الكلاب وجوّعنا الذئاب”، في إشارة إلى أن إيران همّشت في العراق قبائل وفصائل كانت أكثر إخلاصًا، واعتمدت على فصائل وجماعات أرعبها مشهد تطاير الرؤوس، فاختارت اصطحاب السلامة!
هذه الأسئلة هي الأهم ما بعد وقف إطلاق النار، وقبل أن يذهب أي طرف إلى رسم صورة نهائية للموقف.