|    English   |    [email protected]

نساء اليمن.. بين تحديات الحرب وصراع البقاء

الثلاثاء 24 يونيو 2025 |منذ 9 ساعات
عبدالجبار سلمان

عبدالجبار سلمان

في بلدٍ أنهكته سنوات الحرب، تتصدر المرأة اليمنية واجهة المعاناة اليومية، حيث أصبحت حيوات النساء محاصرة بين خطوط النار، وأطراف النزاع المتصارعة من ميليشيا الحوثي، والحكومة الشرعية، والمجلس الانتقالي الجنوبي. وبينما تدفع النساء ثمنًا باهظًا للصراع الدائر، يبرز نضالهن كشاهد على قدرة الإنسان على التكيف والصمود، رغم واقعٍ تتقاطع فيه الانتهاكات، وغياب العدالة، وتدهور الظروف المعيشية.

منذ اندلاع النزاع في اليمن عام 2015، أصبحت النساء هدفًا مباشرًا وغير مباشر للعنف، سواء الجسدي، النفسي، الاقتصادي، أو الاجتماعي. فقدت آلاف النساء أزواجهن، وآباءهن، وأبناءهن، وأصبحن معيلات لأسر بأكملها في ظل انهيار شبه تام للبنية التحتية والخدمات الأساسية.

في ظل هذا الواقع، تتحمل النساء أعباءً مضاعفة: رعاية الأسرة، والبحث عن الغذاء والماء، وتوفير التعليم لأطفالهن، والتعامل مع تحديات النزوح القسري، والتحرش، والعنف القائم على النوع الاجتماعي.

في مناطق سيطرة جماعة الحوثي، تتعرض النساء لقمع ممنهج، يتجاوز الأبعاد السياسية ليطال الحقوق الشخصية والحريات العامة. فرضت الميليشيا قيودًا مشددة على حركة النساء دون "محرم"، وأغلقت عددًا من المراكز التعليمية والمهنية التي كانت تديرها نساء أو تستهدف تمكينهن. كما مارست الجماعة اعتقالات تعسفية بحق الناشطات والصحفيات، واتُّهمت باستخدام العنف الجنسي كسلاح سياسي في بعض الحالات. كما تعاني المرأة من تراجع فرص التعليم نتيجة فرض مناهج ذات طابع أيديولوجي طائفي، مما يهدد مستقبل الفتيات ويدفع بكثير منهن إلى التسرب من المدارس.

رغم أن الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا تدّعي دعمها لحقوق المرأة، إلا أن الواقع في المناطق التي تسيطر عليها يكشف عن غياب استراتيجيات حقيقية لحماية وتمكين النساء. لا توجد بنية قضائية فعالة لمعاقبة مرتكبي الانتهاكات، كما أن النساء نادرًا ما يُشركن في عمليات صنع القرار أو في مفاوضات السلام. المساعدات الإنسانية التي يُفترض أن تصل إلى النساء في مناطق الشرعية غالبًا ما تُسيّس أو تُوزع بشكل غير عادل، وتفتقر للعدالة. كما تعاني النساء في هذه المناطق من الفقر وغياب الرعاية الصحية والتعليم، مع استمرار العنف الأسري دون مساءلة قانونية حقيقية.

في الجنوب، حيث يسيطر المجلس الانتقالي الجنوبي على عدد من المحافظات، يتحدث الخطاب الرسمي عن دعم المرأة وتمكينها، إلا أن الواقع يُظهر محدودية المشاركة النسائية في صنع القرار، إضافة إلى تصاعد حالات العنف الجنسي والعائلي، خاصة في ظل الفوضى الأمنية وغياب المحاسبة. القيود الاجتماعية في الجنوب، إضافة إلى النزاع السياسي الداخلي، خلقت بيئة طاردة للناشطات، اللواتي يتعرضن للترهيب والتحريض في وسائل الإعلام ومواقع التواصل، ما أجبر الكثير منهن على الانسحاب من المجال العام، أو مغادرة البلاد.

بغض النظر عن الجهة المسيطرة، تواجه المرأة اليمنية سلسلة من التحديات اليومية منها النزوح القسري، حيث أكثر من نصف النازحين في اليمن نساء وأطفال. يعانين من انعدام الخصوصية، وسوء الخدمات الصحية، والتعرض للعنف الجنسي في المخيمات. وأيضًا الفقر المدقع، حيث تفاقمت الأزمة الاقتصادية بشكل غير مسبوق، ما دفع النساء للعمل في ظروف مهينة أحيانًا، أو التسول، أو حتى الزواج المبكر للبنات كمخرج اقتصادي مؤلم. وكذلك العنف القائم على النوع الاجتماعي، حيث ازداد العنف الأسري والانتهاكات بحق المرأة بسبب ضغوط الحرب، وضعف تطبيق القوانين، والخوف من الفضيحة أو الانتقام المجتمعي. بالإضافة إلى الإقصاء السياسي، وعلى الرغم من أن المرأة اليمنية لعبت دورًا مهمًا في ثورة 2011، إلا أنها اليوم مغيّبة عن طاولات المفاوضات، وتُستخدم رمزيًا في بعض الوفود دون تمكين حقيقي.

ورغم هذا الواقع القاسي، لم تتوقف النساء اليمنيات عن المقاومة. عشرات المنظمات النسائية المحلية تعمل في ظروف شديدة الصعوبة لتقديم الدعم القانوني والنفسي والمعيشي للنساء المتضررات. كما تواصل الناشطات اليمنيات المطالبة بوقف الحرب، والمشاركة في بناء السلام، وتمكين المرأة سياسيًا واقتصاديًا. تسعى بعض المبادرات إلى تدريب النساء على القيادة، وتنظيم حملات توعية في قضايا الصحة والتعليم والعنف، ما يعكس رغبة متجذرة لدى المرأة اليمنية في النهوض من ركام الحرب.

إن مستقبل اليمن لا يمكن أن يُبنى دون إشراك فعّال للنساء في عمليات السلام، والتنمية، والحكم. حماية حقوق المرأة، وتوفير البيئة الآمنة لها، وتمكينها من صنع القرار، ليست قضايا هامشية، بل هي عناصر أساسية لتحقيق سلام شامل ومستدام. نساء اليمن لسن ضحايا فقط، بل هنّ أعمدة الصمود، وصاحبات أمل في غدٍ أفضل، رغم كل ما يحيط بهن من خراب. وبينما يستمر النزاع، تبقى أصوات النساء اليمنيات دعوةً إلى الحياة في وطنٍ يُراد له أن يموت.