|    English   |    [email protected]

تقرير | جراح الحرب الخفيّة.. “الاضطرابات النفسية” تعمّق معاناة اليمنيين

الثلاثاء 1 يوليو 2025 |منذ 5 ساعات
تقرير | جراح الحرب الخفيّة.. “الاضطرابات النفسية” تعمّق معاناة اليمنيين تقرير | جراح الحرب الخفيّة.. “الاضطرابات النفسية” تعمّق معاناة اليمنيين

أعد التقرير لـ"بران برس" - شهاب علي:

لم تقتصر تداعيات الحرب المستمرة في اليمن منذ أكثر من 10 سنوات، على الخسائر البشرية والمادية فقط، بل امتدت لتخلف آثارًا نفسية واجتماعية عميقة على جميع فئات المجتمع، وجعلتهم عرضة للأزمات والصدمات.

مريم محمد (40 عامًا)، من أهالي منطقة مكائر بمديرية جبل حبشي في الريف الغربي لمدينة تعز (جنوبي غرب اليمن)، واحدة من ضحايا هذه الحرب “المدمّرة”، حيث أصبحت تعاني اضطرابات نفسية حادّة.

تضاعفت حالتها النفسية مع تعرّض منزلها للقصف من قبل مسلحي جماعة الحوثي قبل 5 سنوات. فقد أصيب خلال الحادثة ولدها مصطفى الوافي، بإصابة خطيرة، واضطروا للنزوح القسري من منطقتهم في جبل حبشي.

يصف “مصطفى الوافي”، كيف كانت والدته تعيل الأسرة من خلال الزراعة وتربية المواشي قبل أن تدمّر الحرب كل شيء. 

يقول لـ“بران برس”، إن صحتها النفسية تدهورت بشكل كبير مع وصول الحرب إلى منطقتهم وتعرض منزلهم للقصف ونزوحهم المفاجئ، لتفقد بذلك مصدر رزقهم الوحيد معهم، وتصبح الأسرة بلا معيل.

ورغم خضوعها لجلسات إرشاد نفسي بإحدى عيادات الدعم النفسي، يقول “الوافي”، إن والدته لا تزال تعاني من اضطرابات نفسية شديدة وهلوسة متكررة، وتصارع ذكريات الحرب المؤلمة التي لا تفارقها.

صدمات عميقة

الأخصائية النفسية، أفراح السنفاني، قالت إن “الحرب تركت آثاراً نفسية مدمّرة على ملايين الأفراد، حيث عرّضهم لصدمات نفسية عميقة أثرت بشكل كبير على حياتهم اليومية وجودة أدائهم العلمي والمهني والاجتماعي”.

وأضافت لـ“بران برس”، أن الحرب أدت إلى تفشي مجموعة من الأمراض النفسية، أبرزها اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD)، وهو أن يُعاني الأفراد الذين عاشوا أو شهدوا أحداث العنف من أعراض مثل الذكريات المؤلمة وتجنب المواقف المسببة للذكريات والشعور المستمر بالخوف”.

والمرض الثاني، وفقاً للدكتورة السنفاني، هو “الاكتئاب، حيث يعاني العديد من الأفراد من الاكتئاب الناتج عن شعورهم بالعجز وفقدان الأمل في المستقبل، نتيجة للظروف الصعبة التي يعيشون فيها منذ اندلاع الحرب”.

وإضافة إلى ذلك، قالت "السنفاني"، إن الأمراض النفسية كالقلق والعزلة الاجتماعية الناجمة عن النزاع، تؤدي إلى تفكك الكثير من العلاقات الأسرية والاجتماعية. ويضاف إلى العنف الأسري الناتج عن الضغط النفسي.

أبرز الضحايا

من جانبها، أوضحت مديرة مركز الإرشاد والبحوث النفسية بجامعة تعز، الدكتورة أحلام حزام، أن الأطفال والنساء هم أكثر فئات المجتمع هشاشة وحساسية للأحداث المؤلمة والصادمة التي تعرضوا لها.

وبيّنت الدكتورة أحلام، في حديثها لـ“بران برس”، أن تبعات الحرب على الأطفال لا تقتصر عند الآثار النفسية، بل جعلتهم عرضة للاستغلال والعنف والانتهاك.

ومن أهم أضرار الحرب، وفق الدكتورة حزام، هو تأثيرها “السلبي” الذي طال “وحدة وتماسك الأسرة، النواة الأولى والمكون الأساسي للمجتمع”. موضحة أن “الضغوطات النفسية أدت إلى تفكك الكثير من العائلات، وساهمت في ارتفاع معدلات الطلاق، وزيادة المشاكل بين الزوجين والعنف الأسري، إلى جانب إهمال تربية الأبناء والاعتناء بهم”.

ووصفت الآثار التي خلفتها الحرب على الأطفال بأنها “عميقة ودائمة”، موضحة أنها تنجم “من التجارب المؤلمة التي عاشوها في بيئتهم”، مشيرة إلى أن هذا “يعيق إحساسهم بالأمان والاستقرار ويجعلهم أكثر عرضة للاضطرابات السلوكية، ويشعرهم دائمًا بالخوف والقلق والاكتئاب”.

أزمة مستمرّة وقدرات متواضعة

وفق تقديرات منظمة الصحة العالمية، فإن عدد اليمنيين الذين يعانون مشكلات نفسية وعقلية بسبب الحرب 7 ملايين شخص.

وطبقًا لوزارة الصحة اليمنية، فإن عدد الأطباء النفسيين في اليمن عام 2020، بلغ 59 طبيبًا نفسيًا ما يعني طبيب نفسي واحد لكل نصف مليون شخص. فيما يُقدّر متوسط عدد العاملين الصحيين المتخصّصين في الصحة النفسية (أطباء وممرضون ومعالجون)، بحوالي 300، أي بمعدل متخصّص واحد لكل مئة ألف نسمة.

وفي ظل هشاشة القطاع الصحّي، تشير التقديرات إلى تصاعد أعداد اليمنيين المتأثرين نفسيًا جراء الحرب المستمرة والانتهاكات المصاحبة، إضافة لانعدام الأمن الغذائي، وغلاء الأسعار، وندرة فرص العمل.

معالجات

للحد من هذه الآثار، تشدد الدكتورة أحلام، على ضرورة تقديم خدمات الدعم النفسي للمتضررين، منبهة إلى أن هذا ليس “رفاهية”، وإنما “ضرورة قصوى تقع مسؤوليتها على عاتق الجهات الحكومية المعنية والمنظمات الحقوقية ومؤسسات المجتمع المدني”.

وأوضحت أن أهم خدمات الدعم النفسي التي لا بد توفيرها للمجتمع بشرائحه المختلفة، تقديم الاستشارات النفسية، والجلسات النفسية المتخصصة بشقيها الفردية والجماعية، إضافة حملات التوعية والثقافة النفسية في المجتمع، فضلاً عن إنشاء مساحات اللعب الآمن للأطفال ودعم ذوي الإعاقات الناجمة عن الحرب ودمجهم في المجتمع.

وتتفق مع الأخصائية النفسية أفراح، بالتأكيد على ضرورة توفير الدعم النفسي المجتمعي، وتعزيز الوعي بأهمية الصحة النفسية، وتوفير برامج دعم نفسي للأفراد المتأثرين بالحرب. مؤكدةً أهمية إنشاء مراكز دعم نفسي في المناطق المتضررة، وتوفير استشارات فردية وجماعية لما لها من تأثير واسع.

وإضافة لما سبق، ترى الأخصائية النفسية أفراح، أن تحسين الظروف الاقتصادية والمعيشية من شأنه المساهمة في تخفيف الضغط النفسي الذي يعانيه المواطنون، مؤكدة أن توفير الغذاء، والمأوى، والرعاية الصحية أساسيات يجب التركيز عليها.

وشددت على ضرورة زيادة عدد الأخصائيين النفسيين، وتطوير قدراتهم بما يمكّنهم من مساعدة المجتمع على التعامل مع الآثار النفسية الناجمة عن الحرب”.
 

مواضيع ذات صلة