تقرير خاص أعده لـ"برّان برس" - عمار زعبل:
يواصل البنك المركزي اليمني، في مدينة عدن المعلنة عاصمة مؤقتة للبلاد (جنوبي اليمن)، إجراءاته لإصلاح القطاع المصرفي والنقدي من خلال قرارات عدة كان منها إنشاء شبكة مصرفية موحدة، ونقل مقار البنوك الرئيسة إلى عدن.
وفي آخر قرار له، دعا البنك المركزي اليمني، اليوم الخميس 30 مايو/ أيار 2024، كافة الأفراد والمحلات التجارية والشركات والجهات الأخرى والمؤسسات المالية والمصرفية ممن يحتفظون بنقود ورقية من الطبعة القديمة ما قبل العام 2016 ومن مختلف الفئات، سرعة إيداعها خلال مدة أقصاها 60 يوماً من تاريخ هذا الإعلان.
وشدد البنك المركزي في بيان نشره في موقعه الرسمي، اطلع عليه "بران برس" على "المواطنين والمؤسسات غير المالية والمحلات التجارية والجهات الأخرى التي لا تملك حسابات بالبنك المركزي عليهم إيداع ما لديهم من مبالغ من الطبعة المحددة في البنوك التجارية والإسلامية وفروعها المنتشرة في المحافظات المحررة”.
ودعا البنوك والمؤسسات المالية والمصرفية التي تملك حسابات بالبنك المركزي، بـ“إيداع ما لديهم من مبالغ من الطبعة المحددة المشار إليها آنفاً بالبنك المركزي المركز الرئيسي عدن وفروعه المنتشرة في مختلف المحافظات المحررة”.
البنك المركزي في قراره الأخير أهاب بـ "جميع المؤسسات المالية والمصرفية والمواطنين الذين يحتفظون بمبالغ من تلك الطبعة سرعة الاستجابة الفورية لهذا الإعلان حماية لأموالهم وخدمة للصالح العام"، مؤكداً "عدم تحمله أي مسئولية تترتب على عدم التعامل بجدية مع فحوى هذا الإعلان والمسارعة بتنفيذ ما ورد فيه خلال الفترة المحددة".
قطع الطريق أمام الحوثيين
الخبير والمحلل الاقتصادي "فارس النجار"، اعتبر قرار المركزي اليمني الأخير القاضي باستبدال العملة القديمة "خطوة مهمة وإن بدت تمهيدية لإلغاء التعامل مع الطبعة القديمة".
وقال "النجار" في حديث مع "برّان برس"، إن القرار يأتي “لقطع الطريق أمام جماعة الحوثي المصنفة دولياً في قوائم الإرهاب العالمي من السعي إلى تزوير العملة حيث بدأت الجماعة ذلك بالفعل من خلال إصدار صك معدني فئة 100 ريال مزورة وفاقدة للشرعية القانونية".
ويجزم المحلل الاقتصادي بأن أهمية الخطوة تكمن في أن “جماعة الحوثي المصنفة في قوائم الإرهاب أوصلت اليمن إلى أفق مسدود كما أنها وقفت في طريق أي جهود لتوحيد السياسة النقدية للبلاد، والوصول باليمن إلى بر السلام، وهو ما حتم على البنك المركزي بأن يقوم بدوره خاصة بعد أن بدأت الفئات النقدية ذات الإصدار القديم، أي قبل عام 2016، بالتعرض للتلف بشكل كبير”.
وأشار "النجار" إلى أن "الضرورة هي من دعت البنك المركزي ليتخذ كل الإجراءات اللازمة لإصلاح القطاع المصرفي في اليمن، سواء من خلال إتلاف ما هو تالف أو إصدار نقد جديد، وكل ذلك سيجبر الحوثيين بالتعامل مع تلك القرارات حتى في مناطق سيطرته".
ولفت إلى أن “أي جهة سترفض ستعد العملات التي ستتعامل بها غير قانونية، وفق خطوات قد يتخذها البنك المركزي في المستقبل بعد أن تنتهي هذه المهلة أو بعد أن يرى التوقيت المناسب، في عدم التعامل بالفئات القديمة واستبدالها بالإصدارات من الفئة الجديدة”.
واعتبر ما قام به البنك من إعطاء المهلة لإيداع الفئات القديمة “عمل طبيعي، تقوم به البنوك المركزية في كل دول العالم، لتنظيم القطاع المصرفي ولتنظيم العمل في الفئات النقدية بسحب التالف وإصدار الفئات الجديدة"، لافتاً إلى أنه “أحد الأدوار الحقيقية التي يقوم بها أي بنك مركزي في العالم".
المعركة الاقتصادية
ويرى "النجار" في القرار، بأنه يأتي في سياق "المعركة الاقتصادية مع جماعة الحوثي، ويهدف إلى حماية ما بقي من القطاع المصرفي، وتجفيف منابع الحوثيين، ومجابهة الحرب الاقتصادية التي تشنها تلك الجماعة، لأنه من غير المنطقي بأن يستمر الحوثيون ببناء اقتصادهم الموازي، وبضرب القطاع المصرفي، وأن يظل البنك المركزي ساكنا لا يواجه ذلك"، حد قوله.
وأشار إلى أن توقيت القرار “له رسالة إلى البنوك التجارية مفادها، بأنه على الجميع أن يخضع لتعليمات البنك المركزي وأن يتماشى معه لأنه الشرعي ويحظى بدعم دولي برامجه وقراراته مدعومة دولياً”.
وقال إن "البنك المركزي في عدن يسعى إلى أن يخرج اليمن من العزلة بالتواصل مع العالم، كون بقاء جماعة الحوثي هي المسيطرة على القطاع المصرفي، يجعل البلد في عزلة كما يجعل العالم ينظر إلى اليمن بشبهة، وذلك فيما يتعلق بالعمليات المشبوهة في تمويل الإرهاب وغسيل الأموال".
وبحسب "النجار" فإن كل الخطوات التي يقوم بها البنك المركزي بدءاً من تشكيل الشبكة الموحدة، ونقل البنوك التجارية واليوم إلزام الكيانات والأفراد بضرورة إيداع ما لديهم من أموال من طبعة قديمة “كلها خطوات تصحيحية تعمل على انتشال القطاع المصرفي ولاتخاذ سياسات نقدية من شأنها أن تصلح الاعوجاج الذي حصل خلال الفترات الماضية".
إنهاء الانقسام النقدي
من جانبه، قال الصحفي الاقتصادي "وفيق صالح" إن قرارات البنك المركزي اليمني في عدن تأتي “ضمن مساعيه لفرض سياسته النقدية والمالية على كافة أنحاء البلاد وإنهاء الانقسام النقدي والعبث الحوثي بالعملة الوطنية والقطاع المصرفي”.
وأضاف “وفيق” في حديث لـ "برّان برس" أن "جماعة الحوثي المصنفة دولياً في قوائم الإرهاب العالمي اتخذت الانقسام النقدي خلال الفترة الماضية ورقة تلعب بها ضد القطاع المصرفي والبنك المركزي في عدن".
وأشار إلى أن للجماعة “العديد من القرارات الازدواجية تجاه الوضع المصرفي والتي تمنع تنفيذ أي خطوات أو إجراءات للبنك المركزي اليمني، تجاه تحقيق الاستقرار المصرفي".
وتابع: "أدرك البنك المركزي في عدن مؤخراً أن أي خطوات أو إجراءات قد يتخذها لتحسين الوضع النقدي في البلاد، تصطدم بعملية الانقسام النقدي وازدواج القرارات المصرفية من قبل الحوثيين، لذلك اتخذ قرارات جريئة حتى وإن كانت مؤلمة ومكلفة، مثل نقل المراكز الرئيسية للبنوك إلى عدن وإلغاء الطبعة القديمة من العملة المحلية التي يتم تناولها في مناطق الحوثيين".
وعن أثر القرار على الاقتصاد بشكل عام، أكد "صالح" بأنه “إذا مضى البنك المركزي في عدن، إلى النهاية في ضرورة تنفيذ هذه القرارات على الواقع، وإنهاء العبث الحوثي بالعملة الوطنية، فسيكون المنجز الأهم للشرعية في معركتها الاقتصادية مع الحوثيين".
أزمة بنكي "عدن وصنعاء"
بدوره قال رئيس مركز الإعلام الاقتصادي مصطفى نصر في تعليق نشره في صفحته على "فيسبوك" وأرسله إلى "برّان برس" إن "قرارات البنك المركزي تأتي في سياق الأزمة التي نشبت قبل شهرين بين البنك المركزي اليمني في عدن "المعترف به دوليا" وبنك صنعاء الواقع تحت سيطرة جماعة الحوثي عقب قيام الأخير بسك عملة جديدة فئة مائة ريال".
وأوضح "نصر" أنها تهدف إلى "الضغط على البنوك لنقل مراكز عملياتها الى عدن عقب انتهاء المهلة المحددة بشهرين" لافتاً إلى أنه حتى الآن لم تستجب البنوك لقرارات مركزي عدن عقب تهديدات صريحة لها من بنك صنعاء، وفضلت عدم التضحية بأصولها ورأس مالها ومصالح ملاكها في ظل جماعة لا ترعوي عن أي تصرف أهوج في هذا الإطار".
وعن نجاح قرارات البنك قال رئيس مركز الإعلام الاقتصادي، بأنه "يعتمد إلى حد كبير على الدعم الذي سيحصل عليه البنك المركزي في عدن من الرئاسة والمملكة العربية السعودية لا سيما إذا تصاعدت الأزمة ووصلت مرحلة إيقاف السويفت كود للبنوك غير الملتزمة".
ويرى أن "خفض التصعيد يعتمد على التهدئة من قبل جماعة الحوثي المصنفة في قوائم الإرهاب، وجنوحها من خلال التراجع عن الخطوات التصعيدية والسماح بنقل المراكز المالية للبنوك إلى عدن في حين يظل النشاط المصرفي محكوما بقواعد مهنية يتم الاتفاق عليها بعيدا عن الصراع، ما لم فإنها ستدخل في عزلة اقتصادية كارثية".
وأوضح بأن التصعيد "سيعمل على مزيد من الانقسام النقدي ومتاعب كبيرة للبنوك المحلية، مالم يعالج الموضوع في إطار حل شامل يوحد السياسة النقدية وعلى رأسها العملة الوطنية، أو على الأقل يوجد آلية لإدارة العملة" لافتاً إلى المبادرة التي أطلقها مركز الإعلام الاقتصادي مؤخراً بالتعاون مع فريق الإصلاحات الاقتصادية والخاصة بإنهاء الانقسام النقدي الحاصل بين البنكين في صنعاء وعدن.
وبحسب رئيس مركز الإعلام الاقتصادي بأنه "لن يكون هناك تأثير كبير لهذه الخطوات على تحسين سعر العملة الوطنية لأن هذا مرتبط بمعطيات أخرى".
وفي وقت سابق اليوم الخميس، أعلن البنك المركزي اليمني، إيقاف التعامل مع 6 من البنوك والمصارف اليمنية، بعد انتهاء المهلة المحددة بـ60 يوم لتنفيذ قراره بنقل مراكزها الرئيسية إلى عدن، وهي (بنك التضامن وبنك اليمن الكويت ومصرف اليمن والبحرين الشامل وبنك الأمل للتمويل الأصغر وبنك الكريمي للتمويل الأصغر الإسلامي وبنك اليمن الدولي).
ومطلع أبريل/نيسان المنصرم، أصدر البنك المركزي اليمني في مدينة عدن المعلنة عاصمة مؤقتة للبلاد (جنوبي اليمن)، قراراً بإلزام البنوك التجارية والمصارف الإسلامية وبنوك التمويل الأصغر بنقل مقراتها الرئيسية من صنعاء إلى مدينة عدن خلال فترة أقصاها 60 يومًا.
وتوعد البنك المركز اليمني المعترف به في حيثيات القرار باتخاذ كافة الإجراءات القانونية بحق البنوك التي تتخلف عن تنفيذ القرار “طبقًا لأحكام قانون مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب النافذ ولائحته التنفيذية”.