برّان برس - وحدة التقارير:
خلال الأسبوعين التي أعقبت الهجوم الإسرائيلي على ميناء الحديدة، شهد البحر الأحمر وخليج عدن هدوءً لافتًا مع توقف هجمات جماعة الحوثي المصنفة دولياً في قوائم الإرهاب، على السفن التجارية التي بدأتها منذ نوفمبر/تشرين الأول الماضي.
وجاء توقف هجمات الجماعة، رغم تهديداتها بالرد على القصف الإسرائيلي الذي ضرب ميناء الحديدة (غربي اليمن)، الخاضع لسيطرتها في 20 يوليو/ تموز المنصرم، وألحق خسائر بشرية ومادية مدمّرة بمنشآت تخزين الوقود ومحطة الكهرباء وغيرها من المرافق الحيوية. بينما استمرت الهجمات الأمريكية البريطانية على مواقعها.
مؤخرًا، عاودت الجماعة شن هجمات “خجولة” على بعض السفن في خليج عدن. ففي يوم الأحد الماضي (4 أغسطس/آب)، أعلنت استهداف سفينة تجارية في خليج عدن، أي بعد أسبوعين من توقف هجماتها اليومية.
وقبلها بساعات كانت القيادة المركزية الأمريكية (سنتكوم)، قد أعلنت مساء السبت 3 أغسطس/آب، عن تدميرها صاروخاً وقاذفة صواريخ تابعة لجماعة الحوثيين المصنفة دوليًا في قوائم الإرهاب خلال 24 ساعة.
واليوم الأربعاء، تحدثت الجماعة المدعومة إيرانيًا، عن استهدافها لمدمرتين أمريكيتين، وسفينة شحن تجارية في البحر الأحمر.
تكتيك معتاد
وكان البعض قد فسّر توقف هجمات جماعة الحوثي بأنها استجابة منها لجهود السلام التي تقودها الأمم المتحدة في اليمن، والتي تدفع نحو “خارطة طريق” لعبت فيها السعودة وسلطنة عمان دورًا حاسمًا.
“برّان برس”، وضع أسئلة الجمهور على عدد من الباحثين والسياسيين، لبحث أسباب تجدد الهجمات الحوثية، وما إذا كان لها علاقة بتعثر “خارطة الطريق” أم أنها تأتي في سياق التصعيد الإيراني ردًا على اغتيال قيادات في جماعة الحوثي وحزب الله، ولاحقًا اغتيال رئيس حركة المقاومة الإسلامية حماس في العاصمة الإيرانية طهران.
الباحث غير المقيم في معهد الشرق الأوسط بواشنطن، “إبراهيم جلال”، قال إنه “ليست المرة الأولى التي يوقف الحوثيون تكتيكياً لهجماتهم على خطوط الملاحة الدولية”.
ولم يستغرب “جلال”، في حديثه لـ“بران برس”، استئناف الجماعة لهجماتها، “نظراً للمبررات المزعومة والظروف الإقليمية الملتهبة، ناهيك عن محادثات التهدئة التي يمكن خلالها تحقيق مكاسب أكبر”.
قرار إيراني
من جانبه، قال رئيس مركز البلاد للدراسات، حسين الصوفي، إنه “منذ بدء الحوثيين لهجماتهم لم يتم تبنيها من قبلهم، إنما كانت التصريحات الأمريكية هي تنسبها لهم، وبعد ذلك بدأت الفيديوهات تخرج تباعًا، ما يعني أنه ليس موقفاً حوثياً مطلقاً، ولا قراراً حوثياً ولا سلاح حوثي، وبمعنى أوضح هذا فصيل عضوي يتبع قيادة الحرس الثوري الإيراني".
وأوضح “الصوفي”، في حديثه لـ“بران برس”، أن “توقف العمليات بين الحين والآخر وعودتها يتم بناءً على ما تقرره طهران، هناك صانع القرار والمتحكم فيه ومن هناك تصدر الأوامر بالتنفيذ أو التوقف”.
وقال إن “إيران هربت من اللوم، بعد طوفان الأقصى ونقلت الأنظار إلى الساحة الأكثر ضجيجاً لتلفت الأنظار عن العتب عن حزب الله وعنها”.
الباحث “الصوفي”، يؤكد لـ“بران برس”، أن إيران تفعل ذلك الآن و“كلما وجدت أنها بحاجة لتنفيذ عمليات تصرف عنها الضغط الذي تحاول تقديم نفسها على أنها المالك الحصري لطوفان الأقصى، ثم تهرب إلى أدواتها في اليمن”.
وبرأيه فإن "عمليات إيران ليست دفاعاً عن الضحايا في قطاع غزة بقدر ما هي تنفيذ أجندات لفرض مشروعها الإقليمي والسعي لتثبيت قواعد اشتباك في المنطقة ولو على حساب القضية الفلسطينية او فوق ركام الشعوب العربية”.
تسجيل حضور
وفي تقدير المحلل والخبير العسكري، العميد عبدالرحمن الربيعي، فإن توقف هجمات الحوثيين “جاء بعد تلقيهم ضربة من قبل العدو الإسرائيلي على ميناء الحديدة”، والتي قال إنها “ألحقت خسائر كبيرة في مخزونات النفط والغاز”.
وشكك العميد الربيعي، في حقيقية استئناف هذه الهجمات، وقال في حديثه لـ“بران برس”: “إذا حدثت اليوم، لأنه لم تؤكدها إلى الآن أية مصادر رسمية خارجية، فهو “عبارة عن عملية تسجيل حضور ليس إلا على اعتبار أنهم بدأوا يشعرون أن الرأي العام بدأ يتململ أو بدأ يتذمر خاصة بعد الضربة الإسرائيلية”.
ويعتقد الخبير العسكري، أن الحوثيين “في خوف أو أنهم وقعوا تحت طائلة الاشتراطات، في عدم معاودتهم لاستهداف السفن في البحر الأحمر، لذلك ما قاموا به اليوم إذا صحت هذه العملية هو أشبه بتسجيل حضور وجعل الرأي العام مشدود من حالة التذمر ليس إلا”.
أفكار لا خارطة
وقلل “الربيعي”، من تأثير هذه العمليات على خارطة الطريق لإنهاء الحرب في اليمن، وقال إن “الخارطة ليست عملاً جاهزاً متفقاً علي”. موضحًا أن “خارطة الطريق هي مجرد أفكار مطروحة سيتم التفاوض عليها”.
وأضاف: “إلى الآن لا يوجد أي اتفاق حول خارطة الطريق، وليست خارطة الطريق بمعنى قد تم الاتفاق على بنودها وتفاصيلها إلى الآن".
وتابع: “طالما خارطة الطريق إلى الآن هي فكرة، والفكرة هذه ما زالت قيد التبلور، والتفاوض عليها؛ لذا ليس هناك ربط بينها وما يحدث في البحر الأحمر، سواء كانت جاهزة وتم الاتفاق عليها، أو قيد التصور”.
هجمات بلا جدوى
ومنذ نوفمبر/ تشرين الأول الماضي، بدأت جماعة الحوثي، هجمات بالصواريخ والطائرات المسيّرة ضد سفن الشحن التجارية في البحرين الأحمر والعربي وخليج عدن قبالة سواحل اليمن، بزعم أنها نصرة لغزة التي تتعرض لحرب إبادة من قبل إسرائيل.
وأدت هجمات الجماعة إلى زيادة تكاليف التأمين البحري، ودفعت العديد من شركات الشحن الدولية إلى تفضيل الممر الأطول بكثير حول الطرف الجنوبي للقارة الأفريقية.
وطيلة الأسبوعين، التي أعقبت الهجوم الذي شنّه الإحتلال الإسرائيلي على ميناء الحديدة (غربي اليمن)، في 20 يوليو/تموز الماضي، لم تسجّل أي عملية هجومية من قبل جماعة الحوثي المصنفة عالميًا بقوائم الإرهاب، والمدعومة إيرانيًا.
ولردع الحوثيين، بدأ تحالف “حارس الازدهار”، الذي تقوده الولايات المتحدة، وتشارك فيه بريطانيا بشكل رئيس، في يناير/ كانون الثاني 2024، ضربات جوية على مواقع للحوثيين في اليمن، فيما وسّعت الجماعة نطاق عملياتها لتشمل السفن المرتبطة بواشنطن ولندن، وفق إعلانها.
وبلغ عدد الغارات الأميركية والبريطانية ضدّ الحوثيين على الأرض، منذ 12 يناير الماضي، نحو 560 غارة، أدَّت في مجملها، حتى الآن، إلى مقتل 58 عنصراً، وجرح 86 آخرين، وفق ما اعترفت به الجماعة.
وتقول الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا، إن الضربات الغربية ليست ذات جدوى لتحييد الخطر الحوثي على الملاحة، وأن الحل الأنجع هو دعم قواتها المسلحة لاستعادة الحديدة وموانئها وبقية المناطق الخاضعة للجماعة.