برّان برس | أعد التقرير - محمد الحاجبي:
تعد قرية “القوز” التابعة لعزلة الشراجة بمديرية جبل حبشي في الريف الغربي لمحافظة تعز، واحدةً من القرى اليمنية التي فخختها جماعة الحوثي المصنفّة عالميًا في قوائم الإرهاب، بالألغام الأرضية والمتفجّرات.
يقول سكان من المنطقة لـ“برّان برس” إن الجماعة أقدمت بعد وصولها إلى القرية على زراعة الألغام والمتفجّرات في المساكن والمزارع الطرقات، ما أدى لتقييد حياة السكّان، وعرّض حياتهم، فيما يعاني بعض أبناء القرية من إعاقة دائمة جراء الألغام”.
مدهش ناصر (56عاماً)، أحد سكان قرية القوز، في الريف الغربي لمحافظة تعز، تعرض لإعاقة جسدية في قدمه، بعد أن داس على لغم أرضي قبل سنوات، بينما كان عائدًا من مدينة عدن.
يقول “مدهش” لـ“برّان برس”: “ذهبت إلى عدن للعمل في السباكة، وبعد انتهاء الحرب في قريتي (القوز)، قررتُ العودة لأعمل في زراعة الأرض، وأثناء سيري في الطريق وقعت قدمي على لغم أرضي، وكان أن بترت قدمي اليمنى”.
ويضيف: “لم أكن أتوقع أن الأرض والطرقات ما زالت موبوءة بالألغام، ولم أكن أتخيل أن لغماً أرضياً سيفقدني إحدى قدماي، لكنها ضريبة الحرب، وفاتورتها المؤلمة”.
“مدهش” واحد من كثير من أبناء الريف اليمني الذين، وقعوا ضحيّة الألغام الأرضية، وانتهى بهم الأمر بالإعاقة، بيد أن “مدهش” لم يسمح للإعاقة بأن تحدد مصيره، وتسلبه الأمل في العيش، وممارسة طقوس حياته الاعتيادية.
لا استسلام
بعد أن تعافى “مدهش”، من إعاقته، عاد إلى ممارسة حياته بطرف صناعي، وواصل مهنته بقدراته المتوفرة، وأثبت للمجتمع أنه لن يستسلم.
وعن نظرة المجتمع إليه، يقول: “ربما ينظر المجتمع إلينا بتعاطف، لكنني ومع هذا أشتغل وأعمل في السباكة بحسب قدراتي وإمكانياتي”.
ويضيف: أنا أعاني من هذه الإعاقة، إلا أن الإعاقة أو بتر القدم، لا تعني أن أستسلم للنوم والقعود في البيت، بل أنها شكلت قوة معنوية لي، لمواجهة استحقاقات الحياة ومتطلباتها”.
ويرى “مدهش”، أن “الإعاقة الحقيقية ليست في الأجساد بل في العقول وفي الإرادة”. وقال ناصحًا كل الضحايا والشباب، أن “قيمة الانسان في الحياة تأتي من حجم لمسؤولية التي يتحملها”.
ومن واقع تجربته يقول: “الإعاقة لن تمنعني من أعمالي، ومن مساعدة أسرتي في بعض أعمالها وحاجيتها، وممارسة حياتي كغيري من الناس”.
زيارة خطيرة
الشاب سلطان مهيوب (28 عاماً)، تعرض هو الآخر لانفجار لغم أرضي بينما كان في طريقه إلى قرية القوز، لزيارة أحد أقاربه.
يقول “سلطان: “خرجت من منزلي في قرية معزولة إلى قرية القوز، في يوليو/تموز 2020، لزيارة كريمتي، وكان خروجي بسيارة أحد أصدقائي، وأثناء سيري في طريق قرية القوز انفجر لغم أرضي بالسيارة التي كنت عليها، ما أدى إلى كسر في رجلي اليمنى ودخول بعض الشظايا إلى قدمي وإصابتي بجروح مؤلمة، تتسبب في بتر قدمي”.
ويضيف في حديثه لـ“برّان برس”: “بعد انفجار اللغم غبت عن الوعي، وشعرتُ بآلام شديدة في رجلي اليمنى، وبعدها تم إسعافي الى مستشفى الثورة بتعز لتلقي العلاج، وتم إدخالي قسم الطوارئ والرقود لأكثر من 15 يوماً، وتم تجبير وتجبيس الكسر الذي تعرضت له في رجلي”.
ويضيف: “لم تبتر قدمي، لكن تسبب انفجار اللغم بإصابتي بإعاقة جزئية، وتعرضت لتثبت العديد من المسامير، بغرض تجبير الكسر، وتعرضت عدة مرات لعمليات”.
الأكثر تلوثًا
القاضية “إشراق المقطري، المتحدثة باسم اللجنة الوطنية للتحقيق في انتهاكات حقوق الانسان، قالت إن محافظة تعز، هي “الأولى من حيث تعرضها للألغام، وخاصة الألغام الفردية”.
وتضيف “المقطري”، في حديث لـ“برّان برس”، أن “أكثر من 16 مديرية من مديريات محافظة تعز، لزراعة الألغام في مناطق حساسة ومؤثرة على حياة المدنيين خصوصاً النساء والأطفال”.
وبينت أن "الألغام التي انفجرت في مديريات مقبنة أو جبل حبشي أو صبر الموادم أو موزع أو الوازعية جميعها زرعت في أماكن تتواجد فيها نساء وأطفال، خصوصاً في الأماكن القريبة من الآبار، ومزارع القات، وأماكن الاحتطاب، والطرق الفرعية التي تمر منها النساء والأطفال”.
وعن آثار الألغام، توضح “المقطري”، أن “للألغام الكثير من الآثار المباشرة التي مست حياة وسلامة المواطنين بهذه المناطق، وأدت إلى مقتلهم أو إصابتهم وإعاقتهم”.
وتؤكد “المقطري”، أن “هذه الألغام أدت إلى مقتل المئات من الرجال والنساء والعشرات من الأطفال في المناطق الريفية، إضافة إلى بتر أقدام الكثير ممن تعرضوا لها، فمنهم من تعرض لبتر الأطراف السفلية، وبعضهم تعرض لبتر الأطراف العلوية، ومنهم تعرض لفقدان النظر”.
وعن تأثير هذه الإعاقات، قالت إنها أدت إلى “فقدان هؤلاء لممارسة حياتهم بشكل طبيعي كما كانوا قبل أن يتعرضوا للألغام والبتر”.
الأكثر تضررًا
ومنذ بدء الحرب وحتى العام 2023، تقول “المقطري”، إن “هناك أكثر من 1700 ضحية ألغام في محافظة تعز، ما بين قتيل وجريح، مبينة أن “غالبيتهم من النساء والأطفال”.
وبيّنت “المقطري”، أن الأطفال والنساء، هم الشريحة “الأكثر تعرضاً لهذه الألغام، رغم أن هذه الشريحة غالباً ما تكون بعيدة عن أطراف الحرب”، معبرة عن أسفها لأن “تكون هذه الشريحة هي الأكثر عرضة للألغام”.
وعن جهود نزع الألغام، تقول “المقطري”، إن “هناك جهود بذلت من قبل منظمات مختصة بنزع وإزالة الألغام، ومنها مشروع مسام، ومنظمة هالو ترست، والمركز التنفيذي لضحايا الألغام”.
وتضيف أن هذه الجهات “بذلت جهداً كبيراً في إطار عملية نزع الألغام والتوعية من خطورتها وتأثيراتها الجسيمة".
وعن رعاية الضحايا، قالت الحقوقية “إشراق المقطري”، إن “هناك بعض الجهات الفاعلة ساهمت في التخفيف من آثار الألغام على المتضررين، ومنها المستشفيات والمنظمات الانسانية، ومراكز الأطراف الصناعية الحكومية”.
وأضافت أنه “كان لمركز الأطراف دوراً بارزاً في تركيب الأطراف الصناعية للكثير ممن تعرضت أقدامهم للبتر، والمساهمة في إعادة التأهيل النفسي للمتضررين من هذه الألغام”.
محاسبة المجرمين
وفي حديثها لـ“برّان برس”، شددت القاضية المقطري، على ضرورة أن “تقوم المؤسسات الحكومية الحقوقية والقضائية بواجبها في محاسبة مرتكبي هذه الجرائم وملاحقتهم، ومحاسبة القيادات المليشاوية التي تأمرهم بزرع الألغام، خاصة وأن المتسببين معروفين نظراً للتراتبية القيادية الظاهرة للميليشيا الحوثية”.
كما أكّدت على “أهمية معاقبة الجناة وتعويض الضحايا، وجبر ضررهم بشكل كامل، بغرض تحقيق الإنصاف والعدالة لهم”.
وتقول تقارير أممية إن نحو مليوني لغم زرعتها جماعة الحوثي المصنفة دوليًا في قوائم الإرهاب بمختلف المناطق التي سيطرت عليها، أدت إلى مقتل وإصابة أكثر من 20 ألف مدني، غالبيتهم من النساء والأطفال.
وفي حين تتهم تقارير حقوقية الحوثيين بـ“تحويل اليمن إلى أكبر حقل ألغام على الإطلاق، بعد قيامها بزراعة أكثر من مليوني لغم”، تطالب منظمات حقوقية، الجماعة الحوثية مرارًا بتسليم خرائط الألغام الأرضية التي زرعتها، للمنظمات العاملة في مجال نزع الألغام.